حكومة ماشية ومجلس وزراء مش ماشي
عندما سئل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالأمس عن الحكومة أجاب بكلمات مختصرة: انها ماشية ولكن مجلس الوزراء متوقف. بهذه الصراحة والبساطة وصف رئيس السلطة التنفيذية الواقع الحكومي المعلّق بسبب قرار “الثنائي الشيعي” مقايضة انعقاد الحكومة بتطيير التحقيق في جريمة تفجير المرفأ. كان الوصف واقعيا الى حد معيّن. فالحكومة التي يجهد رئيسها في جمعها مرارا وتكرارا على شكل مجالس وزارية مصغرة ومختصة محاولا تعبئة الفراغ بحركة ما في انتظار ان يفرج “حزب الله” وشركاؤه عن الحكومة، تبدو أشبه بحكومات شهدتها الحرب الاهلية اللبنانية عندما راج مَخرج المراسيم الجوّالة بين ما كان يسمى “شرقية” و”غربية”، وكان سبب ابتداع هذه الفكرة الالتفاف على الانقسام الحكومي بسبب الحرب الدموية التي كانت تغطي البلاد في طولها وعرضها. اعتادت الدولة منطق الحكومتين، والمراسيم الجوالة، وقيل يومذاك ان الحكومة ماشية ولكن مجلس الوزراء لا يمشي. كان هذا أيام الحرب الاهلية، أما الآن فإننا نعود بطريقة ما الى هذا المَخرج الذي لا ينقصه سوى ان نفتح في زمن السلم بازار المراسيم الجوالة فتكتمل صورة الحكومتين، واحدة مشتتة ومنقسمة تُجمع بالتقسيط، وأخرى معطلة وممنوعة من الاجتماع بسبب إصرار فريق مهيمن على القرار السياسي والوطني في البلد، ومصمم على اجهاض التحقيق في جريمة المرفأ عبر تطيير القاضي طارق البيطار. يحصل هذا في زمن الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية الأكبر في تاريخ الكيان اللبناني، فيما القوى السياسية المشاركة في الحكومة راضية بما يحصل، بعضها مستسلم وبعضها الآخر متواطئ، وفي الحصيلة الأخيرة كلهم يخدمون في مكان ما مشروع الهيمنة الذي يتمدد ناسفاً الصيغة اللبنانية في السياسة، والاقتصاد، والثقافة. ولعل الأخطر هو ان هذا المشروع يواصل إفراغ الدولة من الداخل، وتطويع المؤسسات الرسمية لخدمة الهيمنة. هكذا تحولت الدولة، ومؤسساتها، وسلطاتها الى مجرد واجهات. والحكومة الحالية شأنها في ذلك شأن الحكومات التي سبقتها هي حكومة تؤدي دور الواجهة على مختلف الصعد.
يُستدل من قول الرئيس نجيب ميقاتي ان “الحكومة ماشية ومجلس الوزراء مش ما شي” ان الرجل الذي كان يحاضر صبح مساء بصلاحيات موقع رئاسة الحكومة، ويزايد في ذلك على زميله الرئيس سعد الحريري، قدّم ترشيحه لرئاسة الحكومة بعد طول تعطيل، ثم شكَّل حكومة معلناً انه يمتلك مشروعا للانقاذ، هو نفسه الرجل الذي يتأقلم يوما بعد يوم مع حال التعطيل المتمادي لمؤسسة مجلس الوزراء، بما يضرب صدقيتها، ومكانة المعنوية لموقع الرئاسة فيها، وهو نفسه الذي يبدو انه اعتاد العيش في ظل حالة الشلل المصطنع، والمفروض عنوة وبالاكراه.
ان كل يوم يمر على البلاد في هذه الحال، يثبت ان المواءمة بين منطق الدولة ومنطق الميليشيا لم تعد ممكنة. فعلى مدى أعوام طويلة سادت معادلة التعايش مع المنطق المنافي لفكرة الدولة والقانون، ومع الوقت تكاثر المستسلمون، والمتواطئون لأكثر من سبب اعتقادا منهم ان رفض الخضوع للهيمنة سيدخل البلد في دوامة الحروب الاهلية وبالتالي يدمرها. ومع ذلك، اثبتت التجربة المُرّة عقم هذا الخيار، وانتهى الامر
بالانهيار الشامل الذي نعيشه راهنا.
كلمة أخيرة: ان المرونة صارت ميوعة، وتدوير الزوايا صار تواطؤا.