معارك طاحنة حتى انتهاء ولاية عون… “حزب الله” يسعى لأكثرية تغيّر وجه لبنان؟
تحتدم المعارك السياسية في لبنان لتقطيع مرحلة الانتخابات،بعدما بات واضحاً الاصطفاف بين محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله”ونجح في لملمة حلفائه لخوض الاستحقاق، وضبط تفلت التيار العوني في بعض المناطق عبرإعادته الى التحالف بهدف الحصول على أكثرية ساحقة تمكّنه من فرض قراراته ومشاريعه على البلد. ويقابل هذا المحور قوىً مشتتة تسعى إلى التجمع تحت العنوان السيادي، فيغياب المكوّن السني القوي في بيئته، من دون أن تنجح في ترتيب أوضاعها ولا خطابها السياسي في مواجهة “حزب الله”، وهو ما يدفع الأخير إلى التقدم خطوات كبيرة لحسم المعركة السياسية والتركيز على مرحلة ما بعد الانتخابات وما ستحمله منتغييرات على التوازنات في الداخل وأثرها على الاستحقاقات المقبلة، وأيضاً في التطورات الإقليمية والدولية.
يسعى “حزب الله” إلى حسم معركة الانتخابات النيابية بالتحالف مع رئيس الجمهورية ميشال عون وقوى تدور في فلكه ضمن البيئات الطائفية والمذهبية في كل لبنان، ولذا ستكون هناك معارك محتدمة خلال المرحلة الفاصلة عن الانتخابات، وسنشهد وفق سياسي لبناني متابع، أعنف الهجمات ضد قوى لا تزال تستعصي على تحقيق الاكثرية للتحالف الممانع خصوصاً الحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية”، وتستخدم كل الأسلحة المتاحة لفرض أمرواقع بصرف النظر عما إذا كانت القوى المواجهة موحدة أو تحمل مشاريع قادرة على استقطاب الناخبين لتأييدها، في ظل التفكك القائم، إنما المناخ العام في البلد يشيرإلى إطباق شبه كامل على العملية الانتخابية في مناطق عدة وتأثيرات سياسية تحدث خللاً في موازين القوى.
الاهم بالنسبة إلى الجميع في المعارك السياسية القائمة، هو المرحلة التي ستليالانتخابات والمسار السياسي الذي ستسلكه البلاد بعدها، لذا منذ الآن يتم وضع السيناريوات لكل الاحتمالات، وماذ يمكن أن ينتج بعدها، بدءاً من تشكيل الحكومة وأشكال التعطيل المحتملة وصولاً الى انتخابات الرئاسة. وهذا الاستحقاق الاخيرالمفصلي المهم مرتبط بكيفية تشكيل الحكومة واحتمالات الفراغ، بما يذكر بمرحلة 2014– 2016، لكن على مستوى أخطر مع استمرار الانهيار. وإذا بقيت الأجواء في المنطقة على حالها، فإن لبنان سيكون في وضع صعب جداً في غياب الصيغ التسووية التي لا يمكنأن تتقدم إلا برعاية إقليمية ودولية وايضاً الحل النهائي للأزمة وتوزيع النفوذ وإمكان تشكيل نظام سياسي مع تعديلات دستورية يفرضها الامر الواقع والهيمنة القائمة.
الواضح في هذا السياق أن لا أحد في إمكانه انتاج حل للأزمة اللبنانية قبل الاستحقاق الرئاسي المقبل، لذا يركز الجميع اهتمامهم على تمرير هذه المرحلة، إلا إذا حدثت تطورات بالغة الخطورة تؤدي إلى تفجير الوضع اللبناني، وعندها يبدأ البحث في صيغ التسوية. ويبدو أن المتابعة العربية والدولية تتركز على الاستحقاقات المقبلة بعد نتائج الانتخابات، خصوصاً تشكيل الحكومة وحصص القوى وما إذا كان “حزب الله” وتحالفه مع رئيس الجمهورية سينال الأكثرية. والاهم أيضاً كيفية تصرف العهد والشروط التي سيضعها ميشال عون عندما يقترب موعد انتهاء ولايته.
يتوقع بعد الثلثاء المقبل أن تحتدم المعارك أكثر على كل الجبهات. ارتفاع سقف الخطاب السياسي الذي افتتحه “حزب الله” قبل انتهاء موعد تقديم اللوائح، يشير إلى ما قد تحمله الأيام المقبلة،عندما تحدث عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق عما سماه “التدخلات الاميركية والسعودية الفاضحة مع أدواتهم في الداخل ضد المقاومة” وقال إن هذه التدخلات لن تستطيع تجاوز حقيقة وواقع أن الاكثرية الشعبية في لبنان هي “حزب الله”. يرفع الحزب في خطابه، السلاح والقوة، ويعني أنه مصمم على نيل الاكثرية مستفيداً من ضعف المحور الذي يقابله وخطابه القاصر عن تحديد مكامن الخلل في المواجهة، وأيضاً تشتتهم، ليس على مستوى الاحزاب فحسب، بل أيضاً داخل البيئات الطائفية نفسها، خصوصاً السنّة.
تحمل المرحلة المقبلة تطورات خطيرة، في ظل عجز الحكومة الحالي عن التقدم بمشاريع إنقاذية، ووقف الانهيار. وبينما تحدد الانتخابات ملامح المرحلة المقبلة وتوازناتها، على الرغم من ارتباط لبنان بالوضع الإقليمي والمفاوضات حول الملف النووي، يُفصح “حزب الله” أكثر عن مشروعه وما يريده للنظام اللبناني مستقبلاً، فهو ينتقل إلى مرحلة جديدة حيث ستكون الأشهر المقبلة فترة تهيئة للإمساك بكل مفاصل السلطة. لكن مرحلة ما بعد الانتخابات مرتبطة أيضاً بالوقائع الإقليمية والدولية، فالحديث عن عودة سعودية إلى لبنان، من بوابة عودة سفيرها لا يعني أن المملكة قررت خوض المنازلة مع الإيرانيين، إنما ذلك يُعد مؤشراً إلى تغيير في السياسة السعودية في محاولة إثبات قدرتها على تغيير في الموازين إذا أرادت التدخل. ومن المبكر وفق السياسي المتابع الرهان على دعم سعودي مباشر، وهو يعتبر أن اللقاءات التي عُقدت مع شخصيات لبنانية والاتصال الذي أجراه السفير وليد البخاري بالرئيس فؤاد السنيورة، ليسا ترجمة لخوض معركة سعودية مباشرة، إنما للحرص على التحالفات ومراقبة الاوضاع، إلى أن يحين وقت التدخل بالتوازي مع التطورات المرتبطة باستئناف المحادثات مع الإيرانيين وبملف الاتفاق النووي، حيث سيكون لبنان في الحدثين ملفاً مطروحاً للنقاش.
لكن لبنان يُعتبر بالنسبة إلى الإيرانيين، الساحة الرئيسية، وهذا يرتبط بالنقاش حول مستقبله بين الاطراف الإقليميين، لذا تقول إيران للسعودية ولدول الخليج أن اي عودة إلى لبنان تمربالاعتراف بالامر الواقع وبدور الحزب المقرر في الشأن اللبناني. ويظهر أن اي مفاوضات، سيكون لبنان نقطة رئيسية فيه، لا بل أن التفاهمات تبدأ بلبنان أولاً طالما أن الإيرانيين يعتبرونه في فلكهم ولا يمكن التنازل عنه ويستخدمونه قاعدة لمشروعهم في المنطقة. وانطلاقاً من ذلك يسعى “حزب الله” إلى تكريس وضعه في الداخل اللبناني وفي بنية النظام، ويحاول مع عون الفوز بأكثرية وازنة إذا لم يتمكنا من تحصيل الثلثين، كأساس للسيطرة، ثم التفكير لما بعد الاستحقاق، بما يشمل صورة البلد السياسية.
الاجواء تشير وفق السياسي اللبناني،إلى أن “حزب الله” يدير العملية الانتخابية بقوة ومتانة لتأمين الفوز، فيما تشهد اللوائح المقابلة تشتتاً واضحاً، فهو يريد الحسم في بيروت والمناطق التي فيها ثقلاً سنياً، وكذلك اختراق الجبل الدرزي، والفوز بكتل موالية تجعل الأكثرية له أمراً واقعاً. وإلى أن يحين الحل الإقليمي والدولي الشامل للوضع اللبناني تصبح الموازين والقوة والسلاح هي التي تحدد الهيمنة السيطرة وايضا التحكم بالاستحقاقات.