برلمان لبنان العراقي.. إلى الفراغ دُرْ!

النوع: 

 

للمرة الأولى منذ العام 2005 ينطوي تصنيف 8 و14 آذار، وعلى الأرجح، إلى لا رجعة. هذه إحدى حسنات برلمان 2022، ولذلك لا بد من أن تكون قراءة أرقام هذه الإنتخابات متصلة ـ منفصلة بما سبقها وسيليها، لكن الأكيد أن لبنان مقبل على مرحلة سياسية جديدة وصعبة لا بل خطيرة بكل أبعادها السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية. إذا كان معيار الإنتخابات النيابية قدرة حزب الله على الفوز بالأكثرية النيابية (65 نائباً وما فوق)، فإن الحزب قد أخفق في الوصول إليها، وعندها يمكن التبريك لخصومه، لكن مهلاً لا بد من التدقيق في الأمر. لو كان الأمر متصلاً بسلاح المقاومة (أو سلاح حزب الله كما يحلو التعبير لكثيرين)، فإن حزب الله سيجد أغلبية تفوق السبعين صوتاً من أسامة سعد وعبد الرحمن البزري في صيدا إلى إلياس جرادة في مرجعيون وحاصبيا إلى غيرهم في العديد من طيات المستقلين والمجتمع المدني.. حتى أعالي صنين وبتغرين في المتن الشمالي، وحبذا لو فاز جاد غصن، ربما كان سيكون من بين هؤلاء. إذا كان المعيار من إستطاع أن يُحسّن ارقامه مسيحياً، فمبروك كبيرة لسمير جعجع. حزب القوات اللبنانية من كتلة لا تتجاوز أرقام اليد الواحدة عام 2005 إلى ما يفوق الـ 20 نائباً في 2022. بالمقابل، تراجعت أرقام ميشال عون وتياره الوطني الحر من التسونامي الذي واجه “التحالف الرباعي” وحصد غالبية مقاعد المسيحيين في الدوائر المسيحية بنسبة فاقت السبعين بالمئة إلى كتلة متواضعة قد تزيد أو تنقص مقعدا واحداً عن القوات. الأفدح هو التعرف على إجمالي الأصوات التفضيلية لنواب هذه الكتلة أو تلك، وتحديداً الأصوات المسيحية من أجل التعرف أكثر على “المنافخ” الطائفية التي أسهمت في “نفخ” هذا أو ذاك من الكتل المسيحية. إذا كان المعيار قدرة قوى وأحزاب ومجموعات المعارضة والمجتمع المدني على فرض حضورهم في الخريطة البرلمانية المقبلة، فإن النتائج تشي بما يُشبه الإنقلاب، لكن النتيجة نفسها تدين هذه القوى التي ترشح منها أقل ما يربو إلى خمسمائة مرشح، أي نصف عدد المرشحين في كل لبنان، وبذلك يكون كل مقعد تنافس عليه أربعة من هؤلاء، فلو توّحدوا، لكان بإمكانهم أن يحصدوا أضعاف ما نالوه وعندها كان 16 ايار/مايو 2022 يوماً جديداً في تاريخ لبنان. الأهم من ذلك أن يُدرك الجميع أن فوز هؤلاء هو أكبر تعبير عن إنسداد شرايين النظام السياسي وحاجته إلى دم جديد. إذا كان المعيار هو قرار سعد الحريري بالإنسحاب من المشهد السياسي ولا سيما البرلماني، حتى إشعار آخر، فإنه يسجل لرئيس تيار المستقبل أنه صاحب الفضل الأول في ما تحقق من خلط أوراق في كل الدوائر التي يوجد فيها حضور سني، وندر أن تجد دائرة لبنانية من تلال العرقوب إلى سهل عكار بلا كتلة من الأصوات السنية. لقد حصد الحريري من دون أن يكون مرشحاً للإنتخابات أكبر كتلة نيابية سنية تضم سبعة نواب وقابلة للزيادة. الأهم من ذلك أنه منع قيام حيثيات سنية قادرة على قيادة هذا الشارع، بدليل معاقبة فؤاد السنيورة في بيروت، بحيث لم تتمكن لائحته من الفوز سوى بحاصل واحد ناله وليد جنبلاط.. وكان مصير باقي المرشحين صفرياً من يوسف النقيب في صيدا إلى مصطفى علوش شمالاً.. ومن تمكن من الفوز مثل أحمد الخير وعبد العزيز الصمد، فسيأتي يوم تتكشف فيه تفاصيل فوز هذين النائبين بفضل بعض رموز الماكينة الإنتخابية الزرقاء وليس دنانير أهل شارع بليس التي ظلت أسيرة الخزائن الحديدية، برغم الشكاوي التي تلقاها سفراء دول الخليج من المرشحين أنفسهم! إذا كان المعيار هو أداء حكومة نجيب ميقاتي نفسها، فإن هذه الإنتخابات تكاد تكون الأكثر مفاجآت في تاريخ لبنان. لائحة رئيس الحكومة في طرابلس تسقط بكاملها (وهو طبعاً ليس آسفاً عليها). صحيح أن تكافؤ الفرص شبه منعدم في ظل وجود تفاوت في الإمكانيات وتفشي ظاهرة المال الإنتخابي (الممر الإلزامي هو كشف السرية المصرفية لكل المرشحين)، إلا أن بعض الوقائع كانت لافتة للإنتباه وأبرزها أن لائحة ثنائي حزب الله ـ أمل تُخرق في عقر دارها في دائرة الجنوب الثالثة، بنائبين أحدهما (الياس جرادة) الذي يُجسد حساسية اليسار اللبناني الحقيقية وليس المصطنعة أو المفبركة أو التي وصلت سابقاً عن طريق “المحدلة”. لائحة حزب الله تخرق في عقر داره في البقاع الشمالي برغم “الإستفتاء” الذي إتخذ طابعاً “وجودياً” وكانت نتيجته العجز عن إقفال أبواب “القلعة” أمام القوات. إذا كان المعيار هو حضور الدول والأمم، فإن “سر” إحكام  “الثنائي” (حزب الله وأمل) قبضته على بيئته لا يتصل بفيلق القدس في الحرس الثوري ولا بفتوى خامنئية؛ حتماً هناك صورة “تفرح قلب صاحب الزمان” وهي صورة وحدة موقف الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، كما قال لهما مرشد الثورة الإيرانية في غابر الأيام. لقد إنتزع “الثنائي” شرعية ومشروعية تمثيل جمهوره، وهذا مكسب لهما ولإيران في آن واحد. وما يسري على إيران يسري على السعودية التي أضفت بعودة سفيرها وليد البخاري إلى بيروت حيوية سياسية بلغت حد تشكيل رافعة أساسية للقوات اللبنانية وإستنفار كل الحيثيات السنية الممسوكة سعودياً لمصلحة رفع حواصل القوات ورفد كتلتها بما يلزم حتى ينعقد نصابها الأول مسيحياً. أما سقوط بعض الوجوه، فليس مأسوفاً عليه سعودياً، طالما أن سمير جعجع نال ما يريد بوصفه عنوان مواجهة حتى يقضي الله أمراُ كان مفعولاً وعندها تكون له منزلة أخرى ومآلات مختلفة.

الكاتب: 
حسين ايوب
المصدر: 
التاريخ: 
الثلاثاء, مايو 17, 2022
ملخص: 
الأكيد أن لبنان مقبل على مرحلة سياسية جديدة وصعبة لا بل خطيرة بكل أبعادها السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية. إذا كان معيار الإنتخابات النيابية قدرة حزب الله على الفوز بالأكثرية النيابية (65 نائباً وما فوق)، فإن الحزب قد أخفق في الوصول إليها