رسالة مفتوحة إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية
لم يسبق لي أن كتبت بأمور تتعلّق بمسائل طائفية، ولكن دعوة سماحتكم النواب السنّة للاجتماع معهم يوم السبت القادم 24 أيلول الجاري تحت عنوان: «تعزيز الوحدة الإسلامية السنية الوطنية» دفعني للتفكير بصوت عالٍ، وإذ أشيد بمواقفكم الإسلامية والداعية إلى وحدة الصف الإسلامي أتمنّى صادقا أن تأتي نتائج هذا الاجتماع كما نتمناه جميعا.
تأتي هذه الدعوة والسنّة في لبنان يعانون من تفكك وضعف عام مما يستدعي منّا جميعا الوقوف على أسبابها ومعالجة هذه الأسباب لأن نتائجها كارثية. وإذ لا أزعم أنني أحيط بهذه الأسباب ولكنني سأحاول أن أحيط ببعضها، آملا أن أكون بذلك عاملا مساعدا في الإضاءة على بعض منها:
1- التشتت السنّي الإسلامي:
أ- التشتت السياسي: عندما أعلن الرئيس سعد الحريري اعتكافه وتعليق جميع نشاطاته السياسية وعدم السماح لنواب كتلته بالترشح باسم الكتلة والاستقالة أو الإقالة في حال الترشح، فكانت النتيجة نواب سنّة مشتتين إلى كتل صغيرة. ولا أحد يلوم الرئيس الحريري فلا أحد يعرف ظروفه، ولكن النتيجة هو غياب الصوت السنّي الوازن، بالمقارنة مع الثنائي الشيعي والكتلتين المسيحيتين: الجمهورية القوية ولبنان القوي.
هل لدى سماحة المفتي وفريق عمله أي تصوّر لهذا الوضع؟
ب- التشتت المناطقي: وهو لا يقلّ أهمية عن التشتت السياسي، فهل التوجه السنّي موحّد للمصلحة السنية؟ وسأوضح الأمر كما يقتضي، هل السنّي البيروتي مثلا يفكر بمصلحة السنّي الطرابلسي أو الجبلي أو البقاعي أو أي سنّي آخر في لبنان؟ والعكس صحيح فالسنّي الطرابلسي همّه طرابلس والبقاعي همّه منطقته، إلى آخره، فقلوبنا شتّى، والأنانية قاتلة عندنا، فهل لدينا استعداد للتنازل عن هذه الـ«أنا»؟! فدار الفتوى مدعوة لمعالجة هذه المعضلة، واستبدال الأنانية بالإيثار وربما توصلنا لتوحيد القلوب، فهي الطريقة المثلى لتقرّبنا من بعضنا.
2- المراكز الوظيفية السنية:
هل يعلم سماحة المفتي ما يعلمه الرئيس بري حول حرمان الطوائف الإسلامية من مئات الوظائف بسبب عدم تطبيق المادة 95 الفقرة «ب» من الدستور، وهي المادة التي رفض ويرفض الرئيس عون تطبيقها. وهذا أمر يجب معالجته بحكمة ولكن بقوة، فهل تعيين الناجحين في المباريات الرسمية هو مخالف للدستور؟ وهل المادة 95 من الدستور تخالف الفقرة «ي» من الدستور؟ وسكوتنا عن هذا الحرمان يجب أن يتوقف ورفضنا له يجب أن يكون صلبا ويجب أن نواجهه، فالمواقف التنازلية منا نحن السنّة يُقابلها الفريق الآخر بمواقف تصعيدية ومتصلبة لحرماننا من حقوقنا فتنازل من قبلنا يقابله تصلّب منهم، بمعنى هل أن موقف رئيس الوزراء الراحل الشهيد رفيق الحريري التصالحي على درج بكركي من: «أننا أوقفنا العد» (أي تنازلنا عن الأكثرية العددية) كان دون مقابل، إذ قابله موقف مسيحي متصلب ويخالف الدستور بعدم تطبيق المادة 95 من الدستور بهدف حرمان مئات المسلمين من الوظيفة العامة (الرئيس ميشال عون هو الوحيد بين الرؤساء الموارنة الذي رفض تطبيق المادة 95 من الدستور).
ومع أنّ عدد الدورات التي تجاوز فيها المسلمون المسيحيين تتجاوز الأربع دورات وتجاوز المسيحيون المسلمين في دورة واحدة وهي دورة السلك الخارجي (دبلوماسيون جدد) حيث فاز 24 مرشحا بينهم سنّي واحد، ولكن الرئيس «بيّ الكل» عيّن من فازوا بهذه الدورة بحجة تطبيق المادة 95 من الدستور ووافق للأسف رئيس الوزراء مقابل مكاسب شخصية (صدر هذا المرسوم عام 2019)، فإلى متى يبقى الزعيم السنّي يفتش عن مصلحته فقط، ضاربا بعرض الحائط بحقوق طائفته؟ وإلى متى يطبقون سياسة «كل شيء بالمخفي حلال»؟ يومها أقام رجال الدين المسيحيون الأرض ولم يقعدوها لتعيين الكفاءات بصرف النظر عن المساواة وتطبيقا للمادة 95 من الدستور وصدر المرسوم دون الإعلان عنه. ولا تزال أربعة مراسيم يرفض رئيس الجمهورية توقيعها لأن المسلمين أكثر عددا من المسيحيين (ازدواجية المعايير واضحة).
3- في توزيع السلطات بين الطوائف:
لقد وزع الدستور اللبناني والميثاق الوطني الرئاسات الثلاث فكانت رئاسة الوزراء من نصيب الطائفة السنية، ولقد شهدنا تطاولا على صلاحيات رئيس الوزراء لدرجة آنّ رئيس الجمهورية جعل نفسه شريكا له في تأليف الحكومة، مع أن رئيس الوزراء هو المسؤول أمام مجلس النواب لأننا في نظام برلماني وليس نظاما رئاسيا. أي أنّ رئيس الجمهورية يريد أن يقبض ثمن توقيعه دون أن يكون شريكا في المسؤولية. وما يثير الاشمئزاز ما يقال أن النائب جبران باسيل، كمن يعرض سلعة للبيع فهو يعرض رئاسة الوزراء على بعض رجال الأعمال السنّة، وسكوتنا عن ذلك إهانة للطائفة الإسلامية.
4- مسألة الموقوفين دون محاكمة، والذين تجاوز بعضهم وخاصة المسلمون السنّة المدة التي يمكن أن يحكموا بها وعدم محاكمتهم قصدا مما يشكّل إساءة للإنسانية كلها، أي أن يقضي الموقوف حياته بالسجن دون حكم يدينه أو يبرّئه. وسكوتنا عن هذا العمل هو إدانة لنا لسببين: (1) فهو عدم إحقاق الحق و(2) وظلم للناس والبعض منهم أبرياء أو يمكن أن يحكموا بمدة أقل من المدة التي سجنوا فيها، ووصل حد الاستهتار بحياة الناس ودون أيّ شعور بالمسؤولية تجاههم ولا تجاه عائلاتهم. والسكوت عن هذا الأمر تقصير كبير من المسؤولين عن كرامة هؤلاء وكرامة عائلاتهم.
والأنكى من ذلك أن شركاءنا في الوطن عندما يعلمون أن الموقوفين هم من المسلمين السنّة فهم يرفضون حتى العفو الإنساني.
والسؤال يبقى لماذا عدم محاكمتهم مع أن واجب القاضي البت بأمرهم، مما يؤكد النيّة المثبتة بإبقائهم في السجن أطول فترة ممكنة.
هذه بعض الأفكار والتي فكرت فيها بصوت عالٍ علّها تصل إلى مصدرها.