فرنسا.. ومغازلة عون – حزب الله بـ"الانقضاض" على الطائف!
سيبحث كل من الرئيس السابق ميشال عون وحزب الله عن نظام يناسبهما أكثر من اتفاق الطائف. يحاول كل منهما الانقضاض على هذا الاتفاق منذ عام 1990. يتطلع حزبَ الله إلى المثالثة، والتيار الوطني الحر يرفضه أصلا منذ ولادته. لكنّ سياديو لبنان بالمرصاد!
لم يسمحوا لنوايا دولة محايدة "ساذجة" أن تمرّر مخططًا فرنسيًا يمالئ حزب الله ومن ورائه إيران لأسباب مشبوهة لم تعد مخفيّة. فأحبطوا النية "الطيبة" السويسرية من التماهي مع "نية فرنسية مشبوهة" بوجه الدستور اللبناني.
فمنذ "هروب" عون إلى السفارة الفرنسية وإقامته في باريس مدة 15 عامًا وتهيئة رجوعه إلى لبنان والدور الفرنسي في لبنان محل تساؤل؟!
تحاول باريس اليوم الالتفاف على الدستور اللبناني بعدما ثبت دورها في توقيع اتفاقية مار مخايل بين عون وحزب الله عام 2006، والذي كلف لبنان ما كلفه بدءا بحرب تموز/يوليو مرورًا بأحداث أيار/مايو وصولا إلى "جهنم" كما أسمّاها الرئيس عون نفسه لترجمة الواقع اللبناني ببضعة أحرف.
فقد لعبت فرنسا دائما دورًا خفيًا بحماية عون. ونتيجة لرغبة دوائرها العميقة بالدخول إلى الأسواق الإيرانية وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع حكم طهران، بنت علاقات "محاباة" مع حزب الله حتى قال محمد رعد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر "إن حزب الله يؤيد مبادرتكم بنسبة ٩٠ بالمئة"، ليتبين لاحقا أن نسبة العشرة بالمئة تغلبت على المبادرة الفرنسية بأكملها.
لم يقو مصطفى أديب على الاستمرار بمحاولات تشكيله حكومة بالرغم من أن تسميته أتت من ماكرون شخصيًا. وتم تعطيل التحقيق بانفجار المرفأ وأوتي بسعد الحريري تغطية لحزب السلاح، وبعده بنجيب ميقاتي لتسهيل أمور حزب الله وجنراله ميشال عون.
فاتصفت التحركات الفرنسية بـ"محاباة" حزب الله وإيران على حساب الدستور اللبناني ومقررات مؤتمر الطائف الذي ينص على "حل الميليشيات وجمع السلاح ووضع صلاحيات السلطة التنفيذية بكاملها بيد الحكومة المجتمعة". في حين مارس ميشال عون سلطات منفردة وكأنه يطبق دستور ما قبل الطائف، وسلط مجلس الدفاع الأعلى كهيئة تقرر، وعلى مجلس الوزراء التقيد بقراراتها.
نفّذت فرنسا رغبات حزب الله المسيطر على موقع رئاسة الجمهورية، وتبنت طروحاته المنقولة على لسان جبران باسيل. لا سيما منها توقيت مساع خفية لإجراء حوار بين الأطراف على طاولة عشاء، تدعو إليه جمعية غير حكومية تهتم بالشؤون الإنسانية والحوار بين المكونات، مسخّرة بذلك سفارة دولة امتازت تاريخيًا بحيادها الذي لا يرقى إليه الشك.
تسعى فرنسا لتقديم الحوار كأولوية على ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد، وكأن الشغور في سدة الرئاسة الاولى تحصيل حاصل. تهتم باريس بـ"أولوية" الحوار لأن حزب الله يتحيّن التوقيت المناسب لتأمين إجراء تعديلات دستورية تعزز أكثر من مكانته داخل السلطة، كتعيين نائب لرئيس الجمهورية ونائب لقائد الجيش وتعديل طائفة نائب رئيس الحكومة ليصبح "شيعيا" بدلا من الارثوذكسي.
يجاريه تيار جبران باسيل في هذا التوجّه المطالب بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزف عون، ليضمن حزب الله وحليفه باسيل ولاء المؤسسات بعد انتهاء ولاية ميشال عون.
فاستبعاد تشكيل حكومة جديدة من خلال شروط جبران باسيل المفرطة بالمغالاة، وانسحاب نواب حزب الله وحركة أمل ونواب التيار العوني وفرنجية من جلسات مجلس النواب وعدم تأمين النصاب لانتخاب رئيس عتيد، لا يعتبر انقلابًا على مؤتمر الطائف فحسب، بل تقويض لمجمل الدستور اللبناني وعبث بالوفاق الوطني وبمؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية، وإحلال لرغبات حزب الله مكان النص والعرف الدستوريين، بمؤازرة ممن "يبدّي" الحوار أو أي مسألة على أولوية انتخاب رئيس عتيد للجمهورية.
وعند كل مفترق، يثبت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تنسيقه مع الخارج ورضوخه لطلبات حزب الله وميشال عون التي تفوح منها رائحة "الكرواسان" الصباحية. يدفعه في هذا التمادي التشتت السني والضعضعة المرافقة لتحركات النواب السنة الظاهرة للعيان.
الأمر الذي ـ بعد انتخاب الرّئيس العتيد ـ يفتح الباب على مصراعيه لإعادة نظر جذرية بقانون الانتخاب الحالي الذي سمح لحزب الله بمد اليد على الطائفة السنية كما على الطوائف الباقية لإيصال نواب يأتمرون منه من مختلف المذاهب والطوائف. فقانون انتخاب عصري وحضاري يؤمن صحة التمثيل الحقيقية والمساواة بين قيمة الأصوات الناخبة يصب بمصلحة الطوائف المغبونة ويأتي ضمن روحية مؤتمر الطائف كما عدم سيطرة حزب الله على شخص رئيس الحكومة وتجيير موقعه لمصلحته.
وأسوأ من التضعضع والتشتت السني، اعتقاد بعض المسحيين أنّ عون سيردّ لهم "بعض الامتيازات" بواسطة سلاح حزب الله، فيما تغاضى عنه ولم يتحقق من ذلك أي إنجاز من الموعود.
وحده الطائف يحفظ تلك الحقوق وكل حقوق اللبنانيين "إن طبّق"، والدعوة الصريحة هي لتطبيقه!