الرهان على «الفيدرالية» يشعل مخاوف «تقسيم لبنان»

النوع: 

 

تصاعدت حدة الجدل السياسي في لبنان حول طروحات تهدد بانشطار الدولة وتفتتها ـ بحسب الدوائر السياسية في بيروت ـ على شاكلة الفيدرالية واللامركزية.

ومع تصاعد المخاوف من هواجس التقسيمات المشبوهة، ترتفع حدة معاناة المواطن من الأزمات المعيشية، والارتفاع الجنوني للأسعار، والانخفاض غير المسبوق  لليرة  اللبنانية مقابل الدولار، بينما تتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لانقاذ الوضع المالي والاقتصادي.

مصطلحات قديمة ـ جديدة

ورغم تعقيدات خيوط الأزمات التي تلف لبنان..دخلت فجأة على المشهد «الفولكلوري السياسي»، بحسب تعبير الباحث و المحلل السياسي اللبناني، صلاح سلام،  مصطلحات قديمة – جديدة، مثيرة للجدل البيزنطي، بالعودة إلى طروحات الفيدرالية واللامركزية..ويرى «سلام»، أن البحث عن ميثاق جديد للعيش بين اللبنانيين، أشبه بعودة التاجر المُفلس إلى دفاتره العتيقة، بعدما فشل في تجارته الراهنة، وهذا هو حال الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية، التي راكمت كمية هائلة من الأخطاء، وممارسة شتّى ألوان الفساد، فكان أن وصلت إلى الحائط المسدود، وأوصلت العباد والبلاد إلى الانهيار والإفلاس، بشكل مريع، وغير مسبوق.

الصيغة الاستقلالية لولادة «دولة لبنان الكبير»

ويشير المحلل السياسي، إلى أن ولادة «دولة لبنان الكبير» كانت من نتائج اتفاقيات الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وتمّ ضمّ الأقضية الأربعة إلى الدولة الوليدة رغم إرادة أهلها الذين كانوا يغلبون الانتماء إلى سوريا الكبرى، وأن الصيغة الاستقلالية التي توصّل إليها الزعيمان بشارة الخوري ورياض الصلح عام ١٩٤٣، كانت «ثمرة» مساومات ومفاوضات وتسويات بين الدولتين المنتدبتين على بلاد الشام وفلسطين والعراق، وهما (فرنسا وبريطانيا)..ثم جاء أخيرا «اتفاق الطائف» الذي تمّت صياغته بعناية، على ضوء أوراق عمل مبعوثين دوليين، بمشاركة لبنانيين متنورين لم ينخرطوا في الحرب القذرة، وتوصل النواب إلى إقراره برعاية دولية وإقليمية، تولت المملكة العربية السعودية تمثيلها، وتذليل العقبات التي كانت تعترضها.

اللعب في الوقت الضائع

لا ندري إذا كان أهل الفيدرالية واللامركزية ، يدركون أنهم يلعبون في الوقت الضائع، ريثما تحين ساعة الفصل الدولية والإقليمية، تماماً كما حصل طوال سنوات الحرب الأهلية، حيث سادت دعوات «الفدرلة والتقسيم والشرذمة»، ولكنها سرعان ما تلاشت واختفت عندما حانت ساعة الحل الوطني في اتفاق الطائف!

«وطن الرسالة»

ويقول صلاح سلام، إنه من المضحك فعلاً في المشهد الفولكلوري الداخلي أن يتخيّل كل طرف سياسي أو حزبي، أنه قادر على التلاعب بالصيغة الوطنية، وإعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي، وفق رؤيته الخاصة، أو بما يتلاءم مع مصالح هذا المكوّن الطائفي أو السياسي، رغم إدراك البعض بأن اللعبة أكبر من مقدراتهم، وأن النظام الإقليمي الحالي ورعاته الدوليين، لا يسمحون لأحد بالتفرّد بتقرير مصير بلد محسوب تاريخياً على الديموقراطيات الغربية، ويتمتع بعلاقات مميزة مع عواصم القرار الدولي، ويوليه الفاتيكان أهمية خاصة بعدما أطلق عليه تسمية «وطن الرسالة».

«فدرلة لبنان» مشروع قديم

ويرى الباحث والمحلل السياسي اللبناني، ريمون ميشال هنود، أن الدعوة إلى «فدرلة لبنان» ليست وليدة يومنا هذا، إذ سبق أن طالب بها البعض في أوائل الحرب الأهلية، كما أنه وفي ثلاثينيات القرن المنصرم طالبت مجموعة الفينيقيين الجدد التي كانت الناطقة السياسية الرسمية باسم موارنة جبل لبنان باعتماد الفيدرالية عندما انبرى ادوار حنين عضو المجموعة بالقول عام 1936 لبنان هو الجبل وشعبه هو الشعب الماروني، بحسب ما ذكره  «كتاب صلات بلا وصل» للكاتب والمؤرخ فواز طرابلسي.

ويبدو أن تلك المقولة ما زالت تدغدغ مشاعر العونيين (تيار الرئيس ميشال عون ـ التيار الوطتي الحر) الذين يعتبرون جبل لبنان مركزاً للثقل الماروني.

ومناداة التيار الوطني الحر بالفيدرالية تعني ضمنياً فقدانه الحماسة أيضاً باستمرار التحالف مع قوى الثامن من آذار ( حزب الله وحركة أمل وتيار المردة)، المناوئة بشدة للمشروع الفيدرالي، والتيار خير من يعلم بأن روسيا زعيمة محور الممانعة تشكل الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، والسوفييت حاربوا مشروع التقسيم في لبنان بضراوة ابان الحرب الأهلية.

الفارق بين صيغة 1943 والفيدرالية

وأصبح  السؤال المطروح ما الفارق بين صيغة 1943 والفيدرالية ؟ إن صيغة 1943 منحها الاحتلال الفرنسي للطائفة المارونية قبيل انسحابه عسكرياً من لبنان، ما أدى إلى حنق بقية أبناء الطوائف اللبنانية البالغ عددها 16 وانفجار بركان الحرب الأهلية اللبنانية فيما بعد أي عام 1975..أما الفيدرالية السياسية فإن اعتمدت في لبنان فسيصبح لكل منطقة قوانينها الخاصة أو دستورها الخاص.

لبنان سيغرق مذهبياً وطائفياً في حال أبصرت الفدرالية النور، لذا تبقى الدولة المدنية وعصبها اقرار المادة 95 من الدستور المعبر الأساسي الالزامي نحو الدولة العلمانية، بحسب رؤية المحلل السياسي هنود، ولو استلزم ذلك ردحاً طويلاً من الزمن.

الكاتب: 
فتحي خطاب
المصدر: 
التاريخ: 
الثلاثاء, يونيو 2, 2020
ملخص: 
لا ندري إذا كان أهل الفيدرالية واللامركزية ، يدركون أنهم يلعبون في الوقت الضائع، ريثما تحين ساعة الفصل الدولية والإقليمية، تماماً كما حصل طوال سنوات الحرب الأهلية، حيث سادت دعوات «الفدرلة والتقسيم والشرذمة»،