طرح انتخاب رئيس جمهورية لبنان من الشعب بين المزايدات والإشكاليات

النوع: 

 

في ظل تبدد الآمال التي عقدت على المبادرات التي سعت إلى اختراق الجمود الرئاسي ولم تنجح، وبعد ترسيخ زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة إلى بيروت انعدام أي إمكانية لفصل ملف لبنان عن حرب غزة، لربط "حزب الله" مصير رئاسة الجمهورية بوقف إطلاق النار في القطاع، خرق المشهد الرئاسي اقتراح قديم جديد تردد أن رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ومرشح "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) لرئاسة الجمهورية، طرحه على الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ويقضي بأن يتم انتخاب رئيس للجمهورية مباشرة من الشعب لإنهاء حالة الاستعصاء الحالية. وطرحت أسئلة كثيرة حول أسباب وخلفيات هذا الطرح خصوصاً أن الاقتراح المذكور ليس جديداً على أروقة السياسة اللبنانية. إذ سبق أن طرح في عام 2014، في ظل الشغور الرئاسي، من قبل العماد ميشال عون (قبل انتخابه رئيساً للجمهورية عام 2016) وكان مرشح "الثنائي" أيضاً، ودعا حينها إلى تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد بالاقتراع المباشر من الشعب، وجرى تطوير هذا الطرح أخيراً من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، عبر دعوته إلى إجراء الانتخابات الرئاسية على دورتين: دورة يشارك فيها المسيحيون حصراً، ودورة ثانية يشارك فيها جميع اللبنانيين، وجدد تكتل التيار النيابي "لبنان القوي" (برئاسة باسيل) في اجتماعه الأسبوعي الأخير هذا الطرح بما اعتبره يؤمن البعدين الميثاقي المسيحي والوطني.

فهل باتت الظروف السياسية ملائمة لتعديل دستوري من هذا النوع؟ وهل حلفاء الحزب فرنجية وباسيل مكلفان نيابة عنه بمنحه ورقة الرئاسة من خلال النصاب الشعبي لافتقاده وحلفائه النصاب النيابي؟

الإشكالية الدستورية

أمام طرح انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب عوائق سياسية ودستورية توشي بصعوبة السير به. المحامي أنطوان صفير في بيروت وباريس يؤكد أنه في وضع النظام والدستور اللبناني "انتخاب رئيس الجمهورية مهمة أعطيت منذ بداية لبنان كدولة ومن ثم الاستقلال إلى مجلس النواب اللبناني، لذا فإن موضوع الذهاب إلى الانتخاب المباشر من قبل الشعب يأتي في سياق تغيير جوهري في النظام الدستوري والسياسي لكي يتحول من نظام برلماني أو شبه برلماني إلى نظام رئاسي، وهذا ربما يحتم إعادة النظر بالصلاحيات الدستورية المعطاة للرئاسة". ويسأل المحامي صفير من سينتخب من الشعب؟ وهل أن الانتخاب المباشر يشمل اللبنانيين المنتشرين في كل دول العالم؟ ومن ثم هل كل من يحمل جواز السفر اللبناني والهوية سيكون له الحق بالانتخاب حتى لو لم يكن مقيماً على الأراضي اللبنانية؟ ويعد صفير أن الواقع الحالي لا يسمح بالذهاب في هذا الاتجاه لجملة أسباب تقنية دستورية وسياسية وطنية، وقد يكون أهمها أن طرحاً كهذا يحتاج إلى شبه إجماع وطني وإلى قبول من قبل الأطراف الأساسية وإلى اتفاق ميثاقي كونه يتضمن تغييراً في الصيغة الميثاقية التي تحكم لبنان.

ولا يوجد في لبنان تعداد إحصائي شامل ومفصل يشمل أعداد المقيمين من اللبنانيين، إذ لا يزال لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يعتمد نتائج التعداد السكاني لعام 1932، وهو يرتكز إلى أعداد السكان المسجلين في لوائح قيد النفوس لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، وهي تضم مجموع السكان اللبنانيين من المقيمين والمغتربين.

لكن الباحث في علم الديموغرافيا والنمو السكاني علي فاعور يتحدث عن مسح أجرته أخيراً إدارة الإحصاء المركزي تحت عنوان "المسح الوطني للقوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر" بين عامي 2018 و2019، وأظهر أن عدد السكان اللبنانيين المقيمين بلغ 3864000 لبناني. ويضيف فاعور أنه وفقاً لبيانات المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية يشير آخر أرقام مجموع الناخبين المسجلين حتى منتصف يونيو (حزيران) 2024 أن عددهم بلغ 4050659 شخصاً، وبمقارنة مع المسجلين لعام 2022 وعددهم 3967508 أشخاص، يتبين أن هناك زيادة تبلغ 83152 شخصاً فحسب.

أما بالنسبة إلى المسجلين في لوائح قيد النفوس حسب الطوائف (في انتخابات عام 2022)، فبلغ عدد المسلمين 2584993 ناخباً يمثلون 65.4 في المئة من اللبنانيين المسجلين مقابل عدد المسيحيين 1361546 ناخباً أي 34.5 في المئة. ولا بد من التوقف عند نسبة المقترعين إذ تختلف الأرقام بين المسلمين والمسيحيين وتبلغ نسبة مشاركة المسيحيين 31.9 في المئة مقابل 68.1 في المئة للمسلمين. وبناءً عليه يشكل المسيحيون ثلث عدد الناخبين المسجلين مقابل الثلثين للمسلمين، مما يتطلب وفق الباحث في علم الديموغرافيا وضع قواعد أساسية لحماية التوازن في قانون الانتخاب من الشعب على قاعدة المساواة وضمان حقوق المواطنة للجميع.

الكاتب: 
دنيز رحمة فخري
التاريخ: 
السبت, يونيو 22, 2024
ملخص: 
موضوع الذهاب إلى الانتخاب المباشر من قبل الشعب يأتي في سياق تغيير جوهري في النظام الدستوري والسياسي لكي يتحول من نظام برلماني أو شبه برلماني إلى نظام رئاسي، وهذا ربما يحتم إعادة النظر بالصلاحيات الدستورية المعطاة للرئاسة