كلام لا بد منه
لبنان بلد التسويات ومن دونها يعني الحرب والخراب والدمار أو بالحد الأدنى التعطيل والفراغ والشلل. والتسوية لا تعني إطلاقا التنازل أو التسليم بالأمر الواقع، بل تعني الوصول إلى مساحة مشتركة، وإلا كانت سميت هزيمة واستسلام. ومن لا يجيد ثقافة التسوية يعرِّض نفسه وبلده لتجارب مرة ومدمرة.
وأهمية “القوات اللبنانية” انها من القلة في هذا البلد التي لم تبدِّل حرفا من ثوابتها ومبادئها، بل هي الوحيدة التي حملت قناعاتها إلى الزنزانة عندما تعذر عليها ممارسة تلك القناعات خارجها، وهذه سابقة في التاريخ اللبناني.
عندما وافقت “القوات” على اتفاق الطائف كانت معظم القوى السياسية ضده، حيث وجدت فيه تسوية متوازنة لإيقاف الحرب وإحياء مسيرة الدولة وعجلتها، ولكن المشكلة لم تكن في وثيقة الوفاق الوطني، إنما في عدم تطبيقها نتيجة الواقع السوري المعلوم، وما يحصل اليوم وتحديدا منذ لحظة ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون يندرج في سياق إعادة تطبيق هذا الاتفاق.
ومن المفيد الإشارة إلى ان الاعتراضات التي كنا نسمعها ضد هذا الاتفاق لم تعد قائمة، بل أظهرت الممارسة السليمة أن رئاسة الجمهورية ما زالت حجر الزاوية في النظام اللبناني القائم على الموازنة بين الدستور والتوازنات، فيما كل الجهد يتركز لجعل الدستور وحده الحكم، إنما يجب فهم معنى الدستور اللبناني القائم على مبدأ المشاركة المتوازنة تجسيدا لصيغة فريدة ساهمت “القوات” في العام 1989 في انعاشها وانجاحها.
وقد ساهمت فترة الاحتلال السوري في تشويه صورة “القوات” كونها من القلة التي بإمكانها الصمود في وجه هذا الاحتلال ومواجهته، وبالتالي تناسى البعض دورها التاريخي في اتفاق الطائف، هذا الدور الذي تكرر مع التسوية الرئاسية التي أوصلت الرئيس عون، واستكمل مع التسوية التي يعمل عليها وصولا إلى قانون انتخاب يعيد الاعتبار للشراكة ومعنى لبنان.
فأهمية “القوات” انها تعلم تمام العلم ما يجب ألا تتنازل عنه، وما يفترض أن تغض النظر عنه تحت عنوان التسوية التي لا تتحقق سوى بشرط تنازل كل القوى السياسية لمصلحة البلد. وأهمية “القوات انها إذا خيرت بين السيء والأسوأ ترفضهما معا وتحاول البحث عن الصيغة التي تخدم مشروع الدولة في لبنان، إذ ان أسهل الخيارات جر البلد إلى الفوضى، فيما أصعبها الحفاظ على الاستقرار وتحصينه، ولكنها لم تكن ولن تكون بوارد التسليم بالأمر الواقع تحت عنوان الاستقرار، وشعارها “وقت الخطر قوات”، وتاريخها واضح وضوح الشمس، كما خطابها وأدبياتها.
“القوات” كانت وما زالت عرابة الحلول التي تخدم لبنان والقضية اللبنانية من اتفاق الطائف وانتفاضة 14 آذار مرورا بانتخاب عون وصولا إلى دخولها بقوة على خط قانون الانتخاب الذي يشكل بالنسبة إليها حجر الزاوية للبنان الميثاق والرسالة.