أين نحن من الطائف؟

النوع: 

 

يوم استعرت الحرب في لبنان، لأسباب تكاد لا تُعد ولا تُحصى، لسنا بصدد ذكرها، باعتبار أنه سيطول بنا الوقت، وسيتطلب ذلك صفحات وصفحات. إلا انه لا شك بأن هنالك أسباب داخلية وأسباب خارجية. وقد أطلقنا على هذه الحرب يومذاك مسميَّات عدَّة، فتارة كنا نوسمها بالمؤامرة الصهيونية، وتارةً اخرى أن مشروعاً جهنمياً ينتظر لبنان، يُؤذن بالغائه، أو على الأقل بضمِّه الى قوى إقليمية لها مطامع تاريخية بهذا البلد الرابض على ثغور هذا الابيض المتوسط، بقيمه، ورسالته، وحضارته، ونموذجيته في هذا الشرق الكبير. لقد طالت الحرب، ونحن في حيْرة من أمرنا، والهوة تزداد عمقاً بين اللبنانيين، ولا من سميع أو مجيب. أما العجيب فهو، أن الكل راحوا يدَّعون الدفاع عن لبنان وكل على طريقته الخاصة. غير أن فريقاً كان في حِلٍّ من الحوار، وبالتالي في حلٍّ من اقامة التسوية العادلة، لبننةً للحل. وبعد طول نزف، وغرق في بحر من الدماء، وبعد ان انهكت مقوماته ومكوناته، وكاد ان يصبح من الدول المارقة، والخارجة عن القانون الدولي، أطلت برأسها دول القرار التي ربمّا كان لها اليد الطولى في اثارة واطالة الحرب وصولاً الى اسقاطه معنوياً وسياسياً، فكان ان استيقظ الضمير العالمي، واستيقظ معه اللبنانيون، على إثر انعقاد مؤتمر الطائف الذي اوقف الحرب، واقر دستور ما يُسمّى ما بعد الطائف، والذي بموجبه بدأت مرحلة جديدة ودستور جديد، أدى الى هذا الانفراج الذي ساد الساحة اللبنانية، الذي لا زلنا ننعم بمفاعيله حتى اليوم، إلا أننا للاسف لم نحترم هذا الاتفاق تمام الاحترام، ولم نطبق ما ينطوي عليه من بنود نحن بأمس الحاجة اليها، لا سيما في هذه المرحلة التي تشوبها التجاذبات والمشادات السياسية التي وصلت في بعض الاحيان الى حد القطعة، فراح كل يعمل على هواه خارج إطار هذا الاتفاق، وكأننا عدنا الى حرب من طرازٍ آخر، بدأت سياسية قد تودي بنا الى حرب عبثية من جديد نتيجة الاهمال له، ونتيجة تقديم المنطق الطائفي على المنطق الوطني، وبسبب من هذه الحالة الطائفية التي لا تزال راسخة في النفوس قبل النصوص. ومنعاً لعودة اللبنانيين القهقهرى، طائفياً ومذهبياً، كان الأحرى بهم حزم أمرهم، وتصحيح سلوكهم، لأن ما من احد يستطيع ادارة شؤونهم، وترتيب بيتهم الداخلي، إلا أنفسهم بأنفسهم. فحذار والف حذار العودة الى الماضي واهواله. فمع انتهاء الحرب التي طالت عقوداً من الزمن، دفع اللبنانيون بسببها اثماناً باهظة، سرعان ما حاول المخلصون من قادة وسياسي هذا الوطن الى الغاء الطائفية السياسية على مراحل، دون ان يعلموا ان ذلك يجب ان يترافق مع تغيير المناهج التربوية، وتوحيد كتابي التاريخ والتنشئة الوطنية، لأننا بتوحيد كتاب التاريخ نوحد لبنان، فكان ان استحدثوا دستوراً جديداً يتضمن بنوداً تليق بلبنان الرسالة، كإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نواب، بالترافق مع استحداث مجلس شيوخ لا تتعدّى مهامه القضايا المصيرية، وتوزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين الطوائف، الى حين ايجاد قانون انتخابي خارج القيد الطائفي. وأخيراً، تطبيق المادة (95) والتي هي من اهم ما تضمنه اتفاق الطائف.. لا شك بأن كل ما ورد من بنود في دستور الطائف له من الاهمية بمكان، نظراً لِمَا احدث من انقلاب بالمفاهيم وفي التشريعات القديمة، إلاّ ان ما يُدمي القلوب عدم تطبيقه تطبيقاً كاملاً عدا توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين. ولو طبق فعلاً، لكان سيحدث تغييراً حقيقياً في الحياة السياسة اللبنانية، وصولاً الى قيامة لبنان اللاطائفي، ولبنان العقد الاجتماعي الجيد، إلا ان معظم بنوده بقيت طي النسيان، لا سيما منها انتخاب مجلس نواب لا طائفي يقود البلد الى الشاطئ الأمين، ويقي لبنان شر أحداث إقليمية تدور رحاها بمحاذاته، وفي جنباته.

وهكذا بعد مضي عشرين سنة على الحرب وسن دستور الطائف، لا زلنا نراوح مكاننا، لا بل ازددنا غرقاً في الطائفية والمذهبية، كأن حرباً لم تكن، وكأن معظم الفرقاء غير معنيين بالتغيير. سيأتي يوم لن يستطيع فيه احد قلب له ظهر المِجَن، أو إهانته. إن ما نشهده حالياً من تضارب في الآراء حول اصدار قانون انتخابي جديد، يُشير الى عدم الالتزام بمواد الدستور الآنفة الذكر. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عدم اهتمام معظم القيّمين والمعنيين، بالإصلاحات السياسية، وفي مقدمها اصلاح القانون الانتخابي الذي من شأنه إنقاذ هذا البلد وإنقاذ حياته السياسية. إن ما تقاعسنا عنه بالأمس، اوصلنا الى هذه الحالة المؤسفة. على السَلف التعلم من أخطاء الخلف. فلنطبق اتفاق الطائف قبل فوات الاوان، اذا كنّا نملك الارادة الحقيقية. فما هو مُتاح اليوم قد لا يُتاح غداً.

الكاتب: 
فيصل مرعي
التاريخ: 
الأحد, يناير 12, 2014
ملخص: 
بعد مضي عشرين سنة على الحرب وسن دستور الطائف، لا زلنا نراوح مكاننا، لا بل ازددنا غرقاً في الطائفية والمذهبية، كأن حرباً لم تكن، وكأن معظم الفرقاء غير معنيين بالتغيير. سيأتي يوم لن يستطيع فيه احد قلب له ظهر المِجَن، أو إهانته