بين التمسك باتفاق الطائف والدعوة إلى مؤتمر تأسيسي: أيّ مستقبل للنظام السياسي اللبناني؟

النوع: 

 

تشهد الساحة اللبنانية دعوات ومواقف متكررة تؤكد التمسك باتفاق الطائف والدعوة إلى استكمال تطبيقه. وبالمقابل تبرز بين فترة وأخرى دعوات خجولة إلى عقد مؤتمر تأسيسي جديد يعيد صياغة النظام للبناني، أو الدعوة إلى عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين من خلال مراجعة السنوات السبع والعشرين التي انقضت على اتفاق الطائف.

ومع ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي كان أول الدَّاعين إلى عقد مؤتمر تأسيسي، قد تراجع عن هذه الدعوة وأكد مسؤولو حزب الله التزامهم اتفاق الطائف، فإن هذه الدعوة لا تزال حاضرة في المواقف والمنتديات السياسية.

أما البطريرك بشارة الراعي، فقد كان من الداعين إلى إقامة عقد اجتماعي جديد في لبنان، لكنه في المرحلة الأخيرة أصبح كل تركيزه على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وإعادة بناء المؤسسات الدستورية في لبنان.

وبالمقابل، فإن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، اعتبر في لقاء له مع وفد من ملتقى الأديان والثقافات قبل عدة أشهر أن هناك حاجة ضرورية لإعادة النظر باتفاق الطائف، لأن هذا الاتفاق لا يمثل كل القوى والأحزاب اللبنانية، ولأنه مضى نحو 27 سنة على توقيعه. لكن الجميّل لم يقدِّم مشروعاً سياسياً أو يعلن بوضوح هذا الموقف.

وفي مواجهة هذه المواقف، كان الرئيس نبيه بري وبعض قيادات تيار المستقبل والرئيس حسين الحسيني وعدد من أركان قوى 14 آذار يؤكدون التمسك باتفاق الطائف، في حين أن العماد ميشال عون وقادة التيار الوطني الحر لا يعلنون بصراحة استمرار التزام هذا الاتفاق. وعشية جلسات الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، فقد عمد نحو 150 شخصية لبنانية وبمبادرة من منسق «قوى 14 آذار» النائب السابق فارس سعيد الى توجيه رسالة لهيئة الحوار الوطني تؤكد التمسك باتفاق الطائف والدستور، وترفض أي تعديل أو إلغاء للاتفاق أو الدعوة لمؤتمر تأسيسي جديد، وتدعو الى العودة الى معنى لبنان المستقل بالعيش المشترك والتنوع.

فهل لا يزال اتفاق الطائف صالحاً للتطبيق الكامل بعد مرور 27 سنة على توقيعه وادخال بنوده في الدستور اللبناني؟ أم ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر بالنظام السياسي اللبناني والاتفاق على رؤية جديدة ومستقبلية لهذا النظام؟

اتفاق الطائف: ما له وما عليه

بداية، هل لا يزال اتفاق الطائف صالحاً للتطبيق الكامل، أم ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر به وتعديل بعض بنوده؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من العودة إلى الظروف التي أدت الى توقيع اتفاق الطائف عام 1989 في السعودية والى كل المرحلة التي تلت التوقيع حتى اليوم وما أدت إليه من نتائج سياسية.

فمن المعروف ان اتفاق الطائف جاء بعد 14 سنة على الحرب الأهلية - الإقليمية - الدولية التي عانى منها لبنان منذ عام 1975 وحتى عام 1989، وقد كانت أسباب الحرب داخلية وخارجية ومنها ما يتعلق بالدعوة إلى إصلاح النظام السياسي اللبناني القديم ومنها ما يتعلق بالموقف من الوجود الفلسطيني ودور القوى الخارجية وخصوصاً الاحتلال الإسرائيلي والوجود السوري.

وقد تم توقيع الاتفاق بدعم عربي - دولي في ظل حالة اليأس التي أصابت اللبنانيين بعد سنوات طويلة من الحرب والصراع، ونجح الاتفاق بوقف الحرب الداخلية، ووضع أسس عديدة لإصلاح الدستور اللبناني وتطويره.

لكن لم يتم البدء بتطبيق الاتفاق إلا بعد انهاء تمرد العماد ميشال عون الذي كان يرفض الاتفاق، وقد لعب الجيش السوري دوراً مهماً في انهاء التمرد العوني، وذلك بعد ان شاركت سوريا في حرب التحالف الدولي - العربي ضد احتلال صدام حسين للكويت عام 1990.

لكن خلال السنوات الممتدة من عام 1990 إلى عام 2005، وفي ظل الوجود السوري السياسي والأمني والعسكري في لبنان، لم يُطبَّق اتفاق الطائف بشكل كامل، بل كانت عملية التطبيق تخضع لحسابات خارجية وداخلية، وكانت قوانين الانتخابات توضع وفقاً لمصالح بعض الأطراف الداخلية.

ورغم حصول الانسحاب السوري في لبنان عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، لم تنجح الأطراف اللبنانية باستكمال تطبيق الاتفاق، وأدت الصراعات الداخلية اللبنانية التي وصلت إلى حد القتال الداخلي عام 2008، الى الحاجة لعقد اتفاق الدوحة الذي أعاد اعتماد قانون الانتخابات لعام 1960 مع بعض التعديلات، وقد تضمن اتفاق الدوحة أيضاً بنوداً جديدة لا تنسجم بالكامل مع اتفاق الطائف.

وبالاجمال يمكن القول إن الاتفاق لم يطبق بشكل كامل، وانه خلال عملية التطبيق لبعض بنوده برزت العديد من القضايا والاشكالات الدستورية والسياسية التي تحتاج للمراجعة والتعديل.

الحاجة لنظام سياسي جديد

ونأتي الى السؤال التالي: هل لبنان بحاجة لنظام سياسي جديد أم الاكتفاء فقط باستكمال تطبيق اتفاق الطائف؟

ان مراجعة الأوضاع السياسية التي مر بها لبنان منذ عام 1989 وحتى اليوم، وبعد التطبيق الجزئي لاتفاق الطائف، تؤكد ان هناك نقاطاً عديدة تحتاج للمراجعة على صعيد هذا الاتفاق، وان كان تغير الظروف السياسية بين عام 1989 وحتى اليوم يفرض بالضرورة إعادة دراسة هذا الاتفاق وإن كان لا يزال صالحاً بشكل كامل أو لا. قد تكون الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد أو وضع عقد اجتماعي جديد تثير الكثير من علامات الاستفهام والريبة عند بعض الأطراف، كما ان هناك خوفاً لدى البعض من ان تؤدي هذه الدعوة إلى حصول حرب أهلية جديدة، كما جاء في الرسالة التي وجهتها الشخصيات اللبنانية إلى هيئة الحوار الوطني. لكن رغم ذلك لا يمكن ان نضع رؤوسنا في التراب ونعتبر انه لم يحصل شيء منذ بدء تطبيق الاتفاق حتى اليوم وان ما تم الاتفاق عليه في الطائف لا يزال صالحاً بشكل كامل الى اليوم.

قد يكون صحيحاً أن الأولوية هي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع قانون جديد للانتخاب، خصوصاً ان الأوضاع السياسية والمعيشية والاقتصادية أصبحت ضاغطة، كما ان التمديد للمجلس النيابي الحالي مرة ثالثة أو اجراء انتخابات نيابية في العام المقبل وفقاً لقانون الستين المعدَّل لن يكون أمراً سهلاً، وكل ذلك يفرض على الأفرقاء اللبنانيين اعادة البحث في كل الواقع السياسي واعادة ترتيب المؤسسات الدستورية. لكن بموازاة هذه الخطوات الضرورية أصبح هناك حاجة ماسة لإعادة تقويم كل المرحلة التي تلت توقيع اتفاق الطائف ودراسة الاشكالات التي برزت خلال مراحل التطبيق، اضافة لدراسة البنود التي لم يتم تطبيقها وإن كانت لا تزال صالحة أو لا؟

وإذا كان هذا النقاش يتطلب مؤتمراً داخلياً جديداً أو جلسات حوارية أخرى اضافة إلى تلك الحوارات التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، فإن ذلك يصبح ضرورياً، سواء أسمّينا هذا الحوار مؤتمراً تأسيسياً أم مؤتمراً للمراجعة أم أي تسمية أخرى، أما الاستمرار بالواقع القائم اليوم، فإنه لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب ويهيئ لصراعات جديدة عندما تتوافر البيئة المناسبة لها.

الكاتب: 
قاسم قصير
المصدر: 
التاريخ: 
الأربعاء, سبتمبر 25, 2019
ملخص: 
هل لا يزال اتفاق الطائف صالحاً للتطبيق الكامل، أم ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر به وتعديل بعض بنوده؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من العودة إلى الظروف التي أدت الى توقيع اتفاق الطائف عام 1989 في السعودية والى كل المرحلة التي تلت التوقيع حتى اليوم وما أدت