فكر الإمام وانعكاسه في وثيقة الوفاق الوطني

النوع: 

 

لم تأت وثيقة الوفاق الوطني من فراغ ولا هي وحي نزل على النواب المجتمعين في الطائف. فقد كانت الوثيقة حصيلة ما  تمخض عنه الصراع في لبنان من أفكار وتفاهمات وأقرز من مسلمات.

وقد كان للمجلس الإسلامي الشيعية الأعلى ولرئيسه ومؤسسه سماحة الإمام السيد موسى الصدر، من خلال الوثيقتين الهامتين المؤرختين تباعاً في 11/5/1977 و27/11/1975 واللتين سُميتا ورقتي عمل، وللحوارات الصحفية التي كان يدلي بها سماحته، والتي جمعها في كتاب في جزءين مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات .. كان لذلك كله اثره في ما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني من رؤى وتطلعات وإصلاحات.

ونحن، في هذه العجالة – وبقدر ما يسمح الوقت المخصص للمداخلة – نكتفي بذكر اهم ما ورد في الوثيقتين والحوارات الصحفية المشار إليها، لافتين إلى نقاط الالتقاء والاختلاف بينها وبين ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني.

جاء في ورقة العمل – الوثيقة الصادرة عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتوقيع رئيس المجلس الإمام السيد موسى الصدر، والمؤرخة في 11/5/1977. ننقله بحرفيته:

أولا: في هوية لبنان ونظامه

تجدد الطائفة الاسلامية الشيعية إيمانها بلبنان الواحد الموحد:

- وطنا نهائيا بحدوده الحاضرة سيدا حرا مستقلا.

-  عربيا في محيطه وواقعه ومصيره، يلتزم التزاما كلياً بالقضايا العربية المصيرية وفي طليعتها قضية فلسطين.

- منفتحا على العالم بأسره، يلتزم بقضية الإنسان، لأنها من صلب رسالتنا الحضارية.

-جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى مبدأ فصل السلطات، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، في نظام اقتصادي حر مبرمج، ووفق تخطيط علمي انمائي شامل لمختلف الطاقات والاحتياجات والنشاطات في جميع المضامير، بلد الكرامة الانسانية والطموح الحضاري.

وتؤكد الطائفة الإسلامية الشيعية على ان هذه الأوصاف ليست كليا او جزئياً. ولا يمكن ان تكون موضوع مساومة أو لتسوية لأنها ليست عارضة أو طارئة، وليست مطلبا من مطالب فئة دون اخرى، بل هي منبثقة من جوهر وجود لبنان، ومن صميم كيانه، ومن رسالته التاريخية ومن آفاق مصيره، ومن طموح ابنائه وتطلعاتهم المستقبلية.

وبالعودة إلى المبادئ العامة والاصلاحات التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني نلاحظ ان بعض العبادات تكاد تكون واحدة، على اختلاف في ترتيب الأفكار تقديما وتأخيراً. ولكن المضمون واحد. وقد صيغت المبادئ العامة في وثيقة الوفاق الوطني متدرجة من الألف حتى الياء – بينما وردت في وثيقة المجلس طليقة بدون ارقام. مع الاشارة إلى ان وثيقة المجلس اوردت نصا لم يرد في وثيقة الوفاق الوطني، وهو النص الذي يمكن اعتباره موقفا وطنيا متميزا عندما اكدت ان لا مساومة ولا تسوية بالنسبة للمبادئ التي اعلنتها والتي تقدم بيانها لأنها منبثقة من جوهر وجود لبنان ومن صميم كيانه ومن رسالته التاريخية .. الخ.

ثانياً: فيما لا يمكن القبول به

أكدت ورقة العمل الوثيقة المؤرخة في 11/5/1977 أنها ترفض رفضا باتا خمسة امور لأنها في نظر الطائفة الشيعية اشبه بقنابل موقوته لا بد من ان تؤدي إلى الانفجار عند اول فرصة تسنح. وهذه الأمور التي ترفضها هي:

1-  التقسيم تحت ستار لامركزية سياسية ايا كانت هيكليتها مع ترحيبها باللامركزية الادارية.

2-   التوطين مع التأكيد على الإلتزام بالعمل لاستعادة الشعب الفلسطيني حقه في وطنه في نظامه سيادة لبنان الوطنية وسمعته الاقليمية.

3-   تشويه وجه لبنان الحضاري بتحطيم دوره العربي والدولي، أو بقطعه عن المد الحضاري الانساني، او بجره إلى محور سياسي عربي أو دولي.

4-   تحجير الصيغة اللبنانية بحيث يبقى عامل القلق على المصير عند البعض ذريعة للمحافظة على امتيازات فئوية، بينما يبقى عامل الغبن عند البعض الآخر باباً للنزاع، وبحيث يبقى العاملان معاً ثغرتين في الكيان تنفذ منهما المؤمرات على سلامة البلد واستقلاله وسيادته ووحدة ارضه وشعبه.

5-   اية تسوية بين الفرقاء وعلى حساب الوطن ولو مؤقتة وقد ورد في وثيقة الوفاق الوطني في باب المبادئ العامة رفض للتجزئة والتقسيم والتوطين (فقرة ط) غير ان ما ورد في ورقة العمل جاء اوسع واشمل إذ اضافت إلى ما ترفضه وثيقة الوفاق الوطني.

-  تشويه وجه لبنان الحضاري.

- تحجير الصيغة اللبنانية.

- أية تسوية بين الفرقاء على حساب الوطن ولو مؤقتة.

وهو رفض يدل على وعي كبير وفهم محيط بأوضاع التركيبة اللبنانية.

اعلنت وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ان الأفكار التي تطرحها للاصلاح السياسي ليست سوى نقاط عامة يحتاج كل منها إلى توضيح وتفصيل من قبل رجال الاختصاص. كما اعلنت استعداد الطائفة الشيعية للقبول بأي اقتراح في هذه المجالات تتفق عليه اغلبية اللبنانيين (ص 288) والأفكار التي طرحتها للاصلاح السياسي يمكن تلخيصها بالآتي:

-       الغاء الطائفية السياسية في جميع مرافق الحياة العامة

-       اعتماد الاستفتاء الشعبي في القضايا المصيرية.

-       تشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي او مجلس الشيوخ او كليهما.

-       تعديل قانون الانتخابات النيابية على اساس جعل لبنان كله دائرة انتخابية واحدة ... وتمهيدا لهذه الغاية، وإلى ان تشمل لبنان بأسره احزاب وطنية يمكن اعتماد الدائرة الموسعة بحيث لا تقل عن نطاق المحافظة.

-       انشاء محكمة عليا من كبار القضاة متفرغة، جميع افرادها قضاة مهمتها:

·        محاكمة الرؤساء والوزراء.

·        البت في دستورية القوانين.

·        البت في الطعون الانتخابية.

-       فصل الوزارة عن النيابة.

-انتخاب رئيس المجلس ومكتبه لمدة اربع سنوات لئلا يبقى رهن رضى النواب او رضى السلطة التنفيذية.

-انتخاب رئيس الورزاء من قبل المجلس النيابي واشتراكه بعد ذلك مع رئيس الجمهورية بتأليف الحكومة.

- عدم امكان حل مجلس النواب إلا في حالات محددة.

- تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء بصورة واضحة.

- استقلال القضاء استقلالا تاما قاطعا.

ولم تكتف وثيقة المجلس المؤرخة في  11/5/1977 بهذه الخطوط الكبرى بل تناولت كذلك، موضوع الادارة والدفاع الوطني والأمن الداخلي والثقافة والتربية والتعليم والاعلام والمجتمع والاقتصاد وذلك في خطوط عريضة مؤكدة على المبادئ الاصلاحية.

اما وثيقة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى التي صدرت بعدها والمؤرخة في 27/11/75 فقد تطرقت للتفاصيل في كل الموضوعات التي أثارتها الوثيقة الأولى. وسنعرض فيما يلي لأهم ما ورد فيها.

أولاً: في تنظيم السلطات

أكدت الوثيقة هذه ان الشعب مصدر السلطات وان مجلس النواب يتألف من 120 عضوا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وتفصل في صحة النيابة محكمة خاصة تؤلف من قضاة كبار وقرارها يكون مبرما، واعلنت عدم جواز الجمع بين النيابة والوزارة، وان رئيس الحكومة يسمى باقتراع سري يجريه مجلس النواب وبغالبية اصوات النواب المقترعين في جلسة قانونية، وان رئيس الحكومة، أو الوزير لا يُقال إلا بنزع الثقة منه او من الحكومة في مجلس النواب، وعند الامتناع عن الاستقالة، وانه عند تقرير عدم الثقة برئيس الوزراء لتستقيل الحكومة كما نصت الوثيقة على ضرورة وضع القانون الخاص الذي يحدد شروط مسؤولية الوزراء الحقوقية والمالية تطبيقا للمادة 70 من الدستور والمادة 112 من قانون المحاسبة العمومية.

ونصت على ضرورة اصدار القانون الخاص بتحديد اصول المحاكمات لدى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء لوضع المادة 80 من الدستور موضع التنفيذ.

ونصت على ضرورة المعاهدات الدولية نافذة بموافقة مجلس النواب عليها من خلال المعاهدات التي تقتضيها ظروف الحرب مع دولة اخرى، فتفرض لاحقا على مجلس النواب.

كما نصت على انشاء محكمة للنظر في دستورية القوانين وعلى عدم امكان حل مجلس النواب إلا في احدى الحالات الآتية:

- الامتناع عن الاجتماع في عقد عادي او استثنائي.

-   ردّ الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة.

-اسقاط الحكومة ثلاث مرات في سنة واحدة

وباستثناء عدم جواز الجمع بين النيابة والوزارة واسقاط الحكومة ثلاث مرات في سنة واحدة كسبب لحل مجلس النواب، نرى ان وثيقة الوفاق الوطني نتفق مع وثيقة المجلس في سائر ما نصت عليه في هذا الباب.

أ‌-  رئيس الجمهورية: لم يرد في الاختصاصات المذكورة اي شيء جديد لم يكن معمولا به، ونصت الوثيقة على ان الرئيس "يمارس سائر الصلاحيات المعطاة له في الدستور والتي لا تتعارض مع هذا البيان".

ب‌- مجلس الوزراء

حددت الوثيقة صلاحيات مجلس الوزراء وهي تقريباً الصلاحيات التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني. وليس فيها ما يتعارض مع ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني وان جاءت هذه اكثر احاطة وشمولاً.

- مجلس الوزراء مصدر السلطة الاجرائية

-يقر سياسة الدولة العامة في مختلف المجالات لاسيما الاقتصادية  والمالية والاجتماعية والدفاعية والتربوية والخارجية والاعلامية والثقافية.

-يوجه ويراقب نشاطات الوزارات وادارات القطاع العام والمؤسسات المختلطة.

- يقترح القوانين والمعاهدات الدولية.

-يقر نشر مشاريع القوانين المستعجلة التي لم يبت فيها مجلس النواب وذلك بعد اربعين يوما من تاريخ موافقة هذا المجلس على صفة الاستعجال.

- يقر النصوص التطبيقية للقوانين.

-يقر تعيين موظفي الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة ومجالس ادارة هذه المؤسسات. (ص 276)

اوردت وثيقة المجلس الصلاحيات الآتية دون الدخول في التفاصيل الاجرائية لعمل رئيس مجلس الوزراء والتي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني. وهي بطبيعة الحال متفقة معها:

-يوقع مع رئيس الجمهورية على نشر القوانين وجميع المراسيم باستثناء مراسيم تعيينه وقبول استقالة الحكومة واقالتها.

- يضع جداول جلسات مجلس الوزراء ويعمل على تنفيذ مقرراته.

-يحيل على مجلس الوزراء مقترحات الوزراء وسائر المشاريع التي يتوجب عرضها على هذا المجلس ويبدي رأيه فيها.

-ينظر في الخلافات بين الوزراء وينسق الأعمال بينهم.

- يمارس سائر الصلاحيات المعطاة له في الدستور والقانون والتي لا تتعارض مع مضمون هذا البيان. (ص 277)

أكدت وثيقة المجلس استقلالية السلطة القضائية وضرورة تولي مجلس القضاء الأعلى الذي ينتخب بالاقتراع السري، شؤون القضاة على اختلافهم من تعيين ونقل وترفيع وتأديب وانهاء خدمات ... الخ.

وكذلك أكدت ضرورة تعزيز صلاحيات وقدرة التفتيش القضائي. وقد اخذت وثيقة الوفاق الوطني بمبدأ استقلال القضاء فنصت على الآتي:

أ‌-  الاصلاحات الأخرى

ب‌-  المحاكم

ت‌- "تدعيما لاستقلال القضاء ينتخب عدد معين من اعضاء مجلس القضاء الاعلى من قبل الجسم القضائي".

ونشير إلى ان وثيقة الوفاق الوطني نصت على تشكيل المجلس الأعلى المنصوص عليه في الدستور لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعلى انشاء مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية، نصت عليها في باب المحاكم. وقد وردت هذه في وثيقة المجلس في باب تنظيم السلطات كما سلفت الإشارة.

نصت وثيقة المجلس على ضرورة اعتماد الكفاءة والاستحقاق وحدهما في التعيين في وظائف القطاع العام. وبصورة استثنائية ولمدة سنة واحدة فقط يصار إلى ملء المراكز الشاغرة حاليا على نحو يحقق انصاف الطوائف في الوظائف.

كما نصت على ضرورة تعزيز صلاحيات وقدرة اجهزة الرقابة الإدارية والمالية (مجلس الخدمة المدنية، التفتيش المركزي – ديوان المحاسبة)

وعلى ضرورة توسيع استقلال المؤسسات العامة والبلديات والحد من الرقابة المسبقة مقابل احكام الرقابة المؤخرة اداريا وماليا.

وقد اخذت وثيقة الوفاق الوطني بمبدأ القاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف منصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة (تحت بند الغاء الطائفية السياسية).

كما اخذت وثيقة الوفاق الوطني بضرورة تعزيز اللامركزية الادارية وتوسيع صلاحيات المحافظية والقائمقامين.

ثالثا: في التنمية وانصاف المناطق المحرومة والمحرومين

أكدت وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (المؤرخة في 27/11/75) على ضرورة تنمية مختلف المناطق والقطاعات باعتماد خطة عامة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية في البلاد كافة تعطى فيها الأولوية لمشاريع انماء المناطق المحرومة (الجنوب – البقاع – عطار – ضواحي بيروت) وتحسين اوضاع المحرومين.

كما أكدت ضرورة ايلاء الاقتصاد الزراعي الأهمية اللازمة بغية النهوض بالمناطق المحرومة والحد من هجرة ابنائها وتنمية موارد القطاع الزراعي، واعطاء الجنسية للمكتومين اللبنانيين وسائر المستحقين وتنفيذ قانون التجنيس ... (278)

وقد أكدت وثيقة الوفاق الوطني مبدأ الانماء المتوازن لكل المناطق ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا واعتبرته ركنا اساسيا من اركان وحدة الدولة واستقرار النظام. (المبادئ العامة/ ز).

كما نصت في باب الاصلاحات – (أ – اللامركزية الادراية – 5) على اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد وقادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالامكانات المالية اللازمة. وبذلك تلتقي الوثيقتان على مفاهيم متجانسة.

أكدت وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ضرورة وضع خطة دفاعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار وحدة المصير العربي وواقع العدوان الاسرائيلي المستمر، وتعزيز الجيش عديداً أو عدة وتكوين مجلس قيادة متوازن بموجب تعديل قانون الجيش. واقرار قانون خدمة العلم وتنفيذه وانشاء حرس وطني والغاء الميلشيات وتحصين المناطق الحدودية .... (ص 279).

وقد أخذت وثيقة الوفاق الوطني بما ورد في وثيقة المجلس لجهة حل الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتعزيز القوات المسلحة وتعزيز قوى الأمن الداخلي وأوردت التفاصيل المتعلقة بكيفية اجراء التعزيز. (ثانيا – بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية – الفقرات 1 و2 و3).

أكدت وثيقة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى ضرورة توحيد البرامج التربوية والكتاب المدرسي وتعزيز التعليم الرسمي، ومجانية التعليم في جميع مراحله والزامية حتى نهاية المرحلة المتوسطة، وتعزيز الجامعة اللبنانية وانشاء كليات تطبيقية فيها ووضع خطة تربوية شاملة لتربية النشئ في مختلف المدارس تربية واحدة مسؤولة وواعية يراعى فيها تدريس التراث الوطني والعربي واقرار التعليم الديني والأخلاقي في المدارس والجامعات. (ص 279)

 

وقد اخذت وثيقة الوفاق الوطني بالكثير من هذه المبادئ الاصلاحية فأخرت مبدأ الزامية التعليم في المرحلة الابتدائية على الاقل، واصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره، واعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطني وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية، وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.

نصت وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على تأليف مجلس اقتصادي اجتماعي دون تحديد لمهامه، وعلى اقرار سلم متحرك للأجور، وعلى ضرورة شمول الضمان الاجتماعي فئات الشعب كافة، وعلى ضمان الشيخوخة والعجز وتطبيق ضمان طوارئ العمل والأمراض المهنية وتعويض المرضى، وعلى ايجاد التسهيلات والمساعدات لإسكان المعوزين وذوي الدخل المتواضع والمحدود. (ص 279 –280).

وقد تبنَّتْ وثيقة الوفاق الوطني فكرة انشاء مجلس اقتصادي واجتماعي تأمينا لمشاركة ممثلي مختلف القطاعات في صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشورة والاقتراحات.

كما أكدت في باب المبادئ العامة، "العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الاصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي". دون ان تدخل في كيفية تحقيق ذلك مكتفية بوضع المبدأ.

أكدت وثيقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ان الاعلام توعية وارشاد وتوجيه ودعت إلى توحيده توحيدا كليا وبدون اي استثناء، ولذلك طالبت باعادة النظر في تنظيم وزراة الاعلام، والغاء جميع الاذاعات الخاصة التي افرزتها الحوادث، واعادة النظر في قانون المطبوعات (الوثيقة الأولى ص 292).

وقد أخذت وثيقة الوفاق الوطني بمبدأ اعادة تنظيم جميع وسائل الاعلام في ظل القانون وفي اطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوفاقية وانهاء حالة الحرب. (3- الاصلاحات الأخرى – والاعلام).

ويبدو من خلال هذا العرض ان وثيقة الوفاق الوطني اخذت بالكثير من المبادئ الاصلاحية التي وردت في ورقتي العمل – الوثيقتين – الصادرتين عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تباعا في 11/5/77 وفي 27/11/75.

وقد جاءت حوارات الإمام السيد موسى الصدر الصحيفة لتؤكد ما ورد في ورقتي العمل المذكورتين: وتمتد هذه الحوارات بين 12/7/75 و30/8/78 وهي تشكل الجزء الثاني من مجموعة الحوارات الصحفية – وصدرت بعنوان الوحدة والتحرير، وفيها يتحدث الإمام عن كل شيء مما كان يجري، مندداً باقتتال الاخوة، وداعيا إلى وحدة الصف والتعايش رافضا التقسيم نابذاً الطائفية البغيضة مؤكداً على ان لبنان لا يمكن ان يعيش بدون الحريات، وان لبنان ضرورة عربية، وان القسم الكبير من مسؤولية استمرار الأزمة يقع على عاتق العرب...

الطائفية: ندّد الإمام بالطائفية والطائفيين ومما قاله:

"الطائفية معششة في الدكاكين الرخيصة المفتوحة باسم الله، والتي تتاجر بالانسان وممتلكاته وبالوطن" (مهرجان يوم الشهيد 12/7/75) "أحد امراض لبنان الأساسية هي الطائفية، الطائفية تحمي الإقطاع وتعطي للزعماء السياسيين طابع القداسة" (29/9/75) "يجب الغاء التعصب الطائفي بطريقة دمقراطية (السفير 9/2/76) "الطائفية السياسة حولت ميزة لبنان الحضارية إلى اعتبار سياسي والطائفية السياسية تكريس متطور لنظام التعايش القبلي الذي لا يمكن ان يشكل وطنا وان يوحد المواطنيين" (النهار 21/10/76) "اخترنا الغاء الطائفية السياسية لأجل تحرير الكفاءات من جهة والأديان من المتاجرة بها من جهة اخرى (القبس الكويتية 11/2/77).

تقسيم لبنان: رفض الإمام الصدر فكرة تقسيم لبنان ومما قاله: "... في رأيي ان هذا الشعار اسطورة لأن فصل لبنان المسيحي عن لبنان المسلم كان ولم يزل يبدو مستحيلا ... وفي رأيي ان هذا الشعار هو من قبيل التهويل يكفر به رافعوه قبل رافضيه ولذلك فلا أظن ان فئة تعمل على هذا الأساس، إلا اولئك الذين يريدون تحطيم لبنان (الاسبوع العربي 29/9/75).

".. قدر الناس في لبنان ان يتعايشوا مسلمين ومسيحيين والسبب في ذلك ان البديل للتعايش هو التقسيم" (روز اليوسف 13/9/76)

"التقسيم يعني قيام اسرائيل اخرى في لبنان (القبس الكويتية 5/10/76)

"التقسيم مأساة لمسيحي العالم العربي ولمسلمي اوروبا وتعطيل للحوار العربي – الأوروبي – الحجر الاساس لبناء المستقبل" (الانباء الكويتية 7/10/76).

التعايش: لذلك أكد الإمام الصدر على وحدة العيش في لبنان فقال "التعايش أمانة حضارية تاريخية، إنه ارادة الأديان كلها، ويتجاوز اختيار اللبنانيين، فهو قدرهم يجب القبول به وتحضير سُبُله وإقراره (الاسبوع العربي 27/9/76).

ويذهب أبعد من ذلك فيقول:

"التعايش في لبنان تلك للعالم وليس للبنانيين، هم فقط امناء عليه، وليسوا اصحابه". (الحوادث 24/12/76).

"والتعايش الاسلامي المسيحي من اغلى ما في لبنان، وهذه تجربة غنية للانسانية كلها". (البيرق 4/1/77)

تفاعل الحضارات: وعلى هذا الاساس يتوقع الإمام الصدر ان يكون القرن الحادي والعشرون قرن تفاعل على الحضارات، يقول: "القرن المقبل يجب ان يحتوي على افضل الصيغ لاحترام كل الحضارات والثقافات ولخلق التفاعل التام المتكافئ بينها" (الانوار 27/12/76)

لبنان المستقبل: ويتصور الإمام الصدر لبنان المستقبل على الشكل الآتي: "لبنان المستقبل هو لبنان اللاطائفي، لبنان الكفاية في الفرص والمساواة في العدالة، لبنان المتطور، لبنان الشجاع المبادر، لبنان المؤمن الملتزم بالقيم، لبنان ورشة عمل وبناء وطاولة حوار وتطوير" (الاسبوع العربي 27/9/1976)

وفي حوارية اخرى يقول: "لبنان الغد هو لبنان العدالة والغاء الطائفية السياسية" (الانباء الكويتية 7/10/76)

وفي رأيه انه إذا اردنا ان يكون لبنان نموذجا حضاريا للعالم فلا بد من وجود نظام عادل يؤمن الفرص المتكافئة لكل المواطنين (الرأي العام الكويتية 12/10/76)

وهو يدعو إلى ايجاد مؤسسة للحوار يقول: ان صورة لبنان المستقبل يجب ان تنطلق من تفاعل الآراء وخبرات اللبنانيين جميعا، وهذا بحاجة إلى مؤسسة للحوار" (الأنوار 27/12/76)

 

ويحدد الإمام الصدر في حوارية أخرى اسس بناء لبنان الجديد فيقول: "... الولاء المطلق للبنان كل لبنان، العروبة في معناها الحضاري بمعنى التزام لبنان بمتطلبات محيطه وعدم الغربة عنه – توفير ضمانات لا امتيازات من اجل مصالحة حالتي الخوف والحرمان لدى المواطنين جميعا – الالتزام بوحدة لبنان ..." (المحرر 2/4/77).

ولذلك فهو يرفض قاعدة 6 و6 مكرر ويقول: ربنا لا يقسَّم المواهب على طريقة 6 و6 مكرر" (الحوادث 24/12/76)

ومع ذلك فهو مع مارونية الرئيس طمأنة للمسيحيين، يقول: "يجب ان يبقى رئيس الجمهورية اللبنانية مسيحيا" (مقابلة مع الصحفي ادوار صعب 19/7/75) "ونوافق على ان ينص الدستور على مارونية الرئيس" (وكالة الصحافة الفرنسية – السفير 9/2/76) ويقول: "المسيحيون هم اخوان لنا في الايمان وفي الوطن وفي العروبة". (كل شيء 14/2/76).

الاعلام: لذلك يعلق الإمام الصدر أهمية على دور الاعلام في اعادة التلاحم والتغلب على المحنة يقول:

"ان للاعلام والمفكرين دورا بارزا في اعادة التلاحم والتغلب على المحنة" (الأخبار المصرية 10/9/76) ويقول: "ان دور الاعلام في خدمة حل الأزمة لا يقل عن دور قوات الردع او صندوق التنمية". (القبس الكويتية 31/10/76).

المؤامرة على لبنان: ويكشف الإمام الصدر ابقاء المؤامرة على لبنان فيتهم اميركا واسرائيل وبعض العرب ويقول:

"ما يحدث الآن مؤامرة اميركية اسرائيلية جرت على ايدي اللبنانيين وبعض العرب (روز اليوسف المصرية 13/9/76).

"والمؤامرة على لبنان كانت دولية ذات غايات اسرائيلية استفادت من الثغرات اللبنانية والتفكك العربي" (الحوادث 14/12/76)

سبب الانفجار: أما لماذا نجحت المؤامرة في اشعال فتيل الاقتتال. فلأن الحرمان شكل ارضية الانفجار، يقول: ان حرمان الأكثرية شكل الأرضية المناسبة للتوتر والانفجار (اليقظة 8/3/76) والحرمان ارضية الانفجار والمحرومون هم الوقود المتوفر للصراعات المسلحة (القبس الكويتية 31/10/76)

كما ان محاولة تقسيم لبنان وتفريقه من بعده القومي سبب اساسي من اسباب المحنة (الحوادث 28/5/76)

لذلك يقول بأنه يجب توفير وسائل الحياة للناس واعادة الوحدة العميقة بينهم وتوعيتهم تربويا ووطنيا وحتى دينيا لإبعاد الخطر الاسرائيلي المحدق (القبس الكويتية 31/10/76)

وضع حد للاقتتال وتعزيز الجيش: ولتفشيل المؤامرة يجب وضع حد للاقتتال الداخلي ونقل الاسلحة إلى الجنوب والدفاع هناك. (مهرجان يوم الشهيد 12/7/75)

ويقترح ان تتوحد كل الميلشيات الخاصة في تنظيم واحد لدعم الجيش (مقابلة مع ادوار صعب 19/7/75)

ويعتقد الإمام الصدر ان انتقال الميلشيات إلى الجنوب للدفاع عنه يحل مشكلتها ومشكلة الجنوب ومشكلة لبنان (حديث الاذاعة مونت كارلو 2/8/75)

وهو يرفض رفضا نهائيا اي انقسام في الجيش (البيرق 14/1/77)

وهو لذلك يدعو إلى تعزيز المقاومة ويعتبرها أمانة التاريخ يقول:

"المقاومة أمانة التاريخ والعرب وأمانة المسيحيين والمسلمين" (الأنباء الكويتية 7/10/76).

ويرفض الإمام الصدر توطين الفلسطينيين في لبنان لأن التوطين في نظره "مؤامرة مدمرة تعني الوطن البديل وانهاء وجودهم كشعب".

وبعد، فهذا غيض مما افاض الله به على سماحة الإمام السيد موسى الصدر من وفكر نير وألمعية وحكمة وحصانة، والحق اننا نظلم الإمام اذا قلنا بأن كثيرا من افكاره ومبادئه الإصلاحية ترسمها واضعو وثيقة الطائف التي اوقفت اقتتال الإخوة ورسمت معالم لبنان المستقبل .. بل إن افكاره لتتجاوز مضمون الوثيقة بما انطوت عليه من وعي انساني عميق، لا بمشاكل لبنان العرب، بل بمشاكل الانسانية والعالم، وبما اوحت به من حلول ومعالجات.

ما احوجنا في هذه الأيام، ولبنان يواجه ازمة بعد أزمة، والعرب يسامون الخسف والهوان، والعراق يهدد في كيانه والمصير، واسرائيل تعربد في الأراضي المحتلة وترتكب ابشع انواع الإرهاب والقتل والتدمير، والعالم كله يكاد يكون رهينة بيد الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها.

ما احوجنا إلى فكر الإمام السيد موسى الصدر وحكمة الإمام وشجاعة الإمام ورؤاه البعيدة وحلوله التابعة من العقل المبدع والروح المتسامية.

الكاتب: 
نزيه كبارة
التاريخ: 
السبت, نوفمبر 2, 2002
ملخص: 
يبدو من خلال هذا العرض ان وثيقة الوفاق الوطني اخذت بالكثير من المبادئ الاصلاحية التي وردت في ورقتي العمل – الوثيقتين – الصادرتين عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تباعا في 11/5/77 وفي 27/11/75.