صلاحيات رئيس الجمهورية
من المعروف أنّ دستور الطائف كان بمثابة نقطة تحوّل كبيرة في آليّة إدارة الحكم في الدولة اللبنانيّة، وما قبل الطائف كانت رئاسة الجمهوريّة بحكم الدستور والقانون هي الموقع الأقوى في هيكليّة السلطة السياسيّة والمركز الأساس للقرار، فكان من أبرز الصّلاحيات الدستوريّة لرئيس الجمهورية:
*1تناط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية وهو يتولاها بمعاونة الوزراء وفقاً لأحكام هذا الدستور // المادة 17 من الدستور.
2* يعيِّن رئيس الجمهورية الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم ويولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين… // المادة 53 من الدستور.
3* لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حق اقتراح القوانين // المادة 18 من الدستور.
4* لرئيس الجمهورية أن يدعو المجلس النيابي إلى عقود استثنائية… // المادة 33 من الدستور.
5* يحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ قراراً معللاً بموافقة مجلس الوزراء بحل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة… // المادة 55 من الدستور.
6* يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة.. // المادة 52 من الدستور.
ولكن دستور الطائف أحدث تغييرات جذرية في صلاحيات رئيس الجمهوريّة، أهمّها إناطة السلطة الإجرائيّة بمجلس الوزراء مجتمعاً، وأعطاء رئيس الجمهوريّة الحقّ فقط بإدارة الجلسات إذا حضر من دون حقّ التصويت ومن دون أن يكون له الحقّ بدعوة الحكومة إلى الإنعقاد من الأساس، كما تعتبر قراراتها نافذة حتّى لو رفض التوقيع عليها ضمن المهل القانونيّة.
تمّ إلغاء باقي الصلاحيّات الهامّة المذكورة أعلاه أو ربطها بموافقة مجلس الوزراء، إلاّ أن الطائف أبقى لرئيس الجمهوريّة صلاحيّة هامّة وحيدة إنّما على نحو محصور وضيّق، فلم يعد باستطاعته تعيين الوزراء وتسمية أحدهم رئيساً كما في السابق لأنّ الإستشارات النيابيّة للتكليف باتت تلزمه بنتائجها، أي بإعلان إسم من ترشّحه الأكثريّة النيابيّة وبتكليفه تشكيل الحكومة، ولكن مرسوم تشكيل الحكومة يجب أن يحمل توقيع رئيسي الجمهوريّة والحكومة (يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبوله استقالة الوزراء أو إقالتهم). وهنا كان واضحاً أنّ المشترع أراد إبقاء هامش قوّة وحيد يسمح على الأقلّ لرئيس الجمهوريّة بلعب دور فاعل في تشكيل جسم السلطة الإجرائيّة أو التنفيذيّة، وإلاّ لما كانت صلاحيّة التوقيع على مرسوم التشكيل لتعطى له تحت حجّة أنّ أكثريّة أعضاء المجلس النواب هي من تسمّي الرئيس المكلّف وهي من تمنح الثقة للحكومة الجديدة أو تحجبها عنها، وبالتالي لو أراد المشترع أن تكون تشكيلة الحكومة هي نتاج توافق الأكثريّة النيابيّة وحدها، لما نصّ على ضرورة توقيع رئيس الجمهوريّة على مرسوم تعيين الوزراء، أو لجعل على الأقلّ توقيعه قابلاً للتجاوز في حال رفضه التشكيلة المقترحة، تماماً كتوقيعه على المراسيم الحكوميّة.
هذه الصلاحيّة الأساسيّة الوحيدة المتبقيّة لرئيس جمهوريّة ما بعد الطائف، تبقى هامّة جدّاً بحيث تمكّنه من لعب الدور المتوازن بين مختلف القوى السياسيّة الأساسيّة في البلاد، وفي نفس الوقت كي لا يتحوّل موقع الرئاسة الأولى الذي تشغله الطائفة المارونيّة إلى موقع رمزي أو إلى ساعي بريد لنقل الرسائل والطرود بعد أن كان موقعاً يكاد يوازي موقع الملكية المطلقة.
فمطلب بعضهم أن يوقّع رئيس الجمهوريّة على أيّ تشكيلة تتوافق عليها الأكثريّة النيابيّة والرئيس المكلّف هو مطلب لادستوري وباطل، وعلى رئيس الجمهوريّة أن يمارس صلاحيّته ودوره مع الرئيس المكلّف في تشكيل أيّ حكومة ويحرص على تحقيق توازن فيها، وعندها يمكن للأكثريّة النيابيّة أن تمارس هي أيضاً حقّها الدستوري بإعطاء أو بحجب الثقة عنها.
الرئيس العماد ميشال سليمان هو بكلّ تأكيد شخصيّة وطنيّة من الطراز الأوّل، يحظى بمحبّة واحترام غالبيّة الشعب اللبناني، وقادر على لعب دور متوازن وجامع بين الأفرقاء السياسيّين في لبنان. فتاريخه حافل بالمحطّات الوطنيّة والقوميّة، وأداؤه منذ انتخابه رئيساً للجمهوريّة قبل 3 سنوات كان أفضل بكثير من التوقّعات، إذ أثبت عن جدارة أنّه رجل الحوار والتقارب والتوافق، ليرفض مرّات عدّة اعتماد مبدأ التصويت في مجلس الوزراء إذا كان الأمر متعلّقاً بمسائل خلافيّة أساسيّة، وهو ما التزم به منذ بداية عهده بهدف تعزيز الفرص للتوافق في النقاط الخلافيّة، وتجنيب البلاد مزيد من الإنشقاقات التي قد تحدث نتيجة التصويت في مجلس الوزراء لمصلحة أو ضدّ صدور قرار محلّ خلاف وطني حادّ. ….. ولكن هناك البعض ممّن لم يفهم هذا التوجّه السامي والنبيل لرئيس الجمهوريّة، ليشيعوا وكأنّ المسألة متعلّقة بسلامة تطبيق الدّستور أو بالحقّ في إجراء تصويت ديمقراطي في مجلس الوزراء …. متناسين الخلل الجسيم الذي تمرّ به البلاد والأخطار الكبيرة المحدّقة به والتي فرضت من الأساس اعتماد معايير استثنائيّة منها الطريقة المعقّدة التي أوجدت هذه الحكومة وبشروط غير عاديّة منافية للدستور.