«تجمّع لبنان المدني»... حِراك من خارج لعبة الطوائف يلاقي «الربيع العربي»

النوع: 

 

شكلت ولادة «تجمع لبنان المدني» قيمة مضافة على الحياة السياسية اللبنانية المصابة بالكثير من التشوهات نتيجة تداخُل الانقسامات السياسية الحادة.

«التجمع المدني» يعكس حراكاً من خارج لعبة الطوائف والمذاهب، وأطلّ على الحياة السياسية - المدنية بعد مناقشات أغنتها تجارب متعددة الاتجاه للشخصيات المنضوية فيه.

ويعبّر هذا التجمع عن حساسيات مغايرة لما هو سائد، خصوصاً في الساحة الشيعية، المحكومة بـ ثنائي «من فوق» يتمثل بـ «حزب الله» وحركة «أمل»، وهي حساسيات ذات بُعد مدني ووطني.

وعلى إيقاع الربيع العربي، وفي ظل العجز البنيوي الذي يمرّ به النظام اللبناني، شهدت بيروت (أول من أمس) انطلاقة ربيعية جديدة، عنوانها الأساسي استعادة الجمهورية والاطلالة على ربيع العرب تحت مجهر «تجمع لبنان المدني».

ورغم أن البيان التأسيسي أشار في شكل مقتضب الى التحولات الجارية في العالم العربي، لكن أهميته تكمن في التقاطع الزمني، الذي ربما لم يكن محض صدفة. فربيع العرب حفّز مجموعة من المثقفين والناشطين اللبنانيين لإحياء مشروع قديم - جديد سعى الى إلقاء الضوء على مسائل أساسية، جزء منها يتعلق بالطائفية السياسية وأزماتها الدورية، وجزء آخر أطل على «معجزة العرب» مطالع القرن الحادي والعشرين.

نحو 29 شخصية من الهيئة التأسيسية لـ «تجمع لبنان المدني» اجتمعت في فندق الحبتور - سن الفيل وتطرقت في بيانها الى مجموعة من القضايا وضعت تحت عنوان «دفاعاً عن الوطن والدولة ودفاعاً عن المواطنة».

الشخصيات التي شكلت «البذرة الأولى» للهيئة التأسيسية أتت من مشارب ثقافية ودينية مختلفة، والأهم من ذلك نوعية الحضور في القاعة التي جمعت رموزاً دينية ويسارية وأكاديمية ونضالية لا سيما من الوجوه الشيعية التي تبحث هي الأخرى عن طريق ثالث بين الثنائيات المتحكمة بمفاصل القرار اللبناني.

ومن بين الشخصيات البارزة التي حضرت المؤتمر السيد هاني فحص وكريم مروة وحبيب صادق ومنى فياض. وإذ يبدو للبعض أن التنوع في الحضور الشيعي، هو الأبرز، الا ان التنوع لم يكن محصوراً بـ «الشيعية الثالثة» إذا جاز التعبير، فقاعة المؤتمر شهدت تعدداً في الانتماءات.

البيان التأسيسي تناول مجموعة من القضايا السياسية، إذ أشار الى عجز النظام الطائفي اللبناني، وشلل المؤسسات الدستورية، وتفاقم الاستقطاب الطائفي، وتكريس الزبائنية السياسية. وشدد على «أن المشروعات المذهبية والطائفية تشكل خطراً على وحدة لبنان».

وفي ظل ربيع العرب الذي تشهده أكثر من دولة عربية لفت الى «بداية تاريخ عربي جديد يؤسس لمنظومة من المفاهيم والقيم الثقافية الجديدة بعد سيادة منطق التطرف الديني الأصولي واستبداد الانظمة الديكتاتورية».

حدد «تجمع لبنان المدني» انطلاقته بعدد من المبادئ الأساسية من أجل الدفاع عن مشروع الدولة، وما جاء في بيانه «التشديد على دولة القانون والمؤسسات والحريات والكفاءة، والدولة المدنية، والوحدة الوطنية، وسيادة القرار السياسي، والمطالبة بالاصلاحات السياسية وفي طليعتها، تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق الطائف وإصلاح التمثيل السياسي، وذلك بالاعتماد على قانون انتخابي يعتمد النسبية، اضافة الى تحصين السلطة القضائية والاصلاح الاداري والاقتصادي والاجتماعي».

وخلال المؤتمر تحدث ثلاثة من أعضائه المؤسسين: مالك مروة وغالب ياغي وعبد الله رزق في حضور شخصيات سياسية ودينية وإعلامية وأعضاء الهيئة التأسيسية التي تألفت من: أديب أبو حبيب، هادي الأمين، علي الأمين، سناء الجاك، محمد حسني الحاج، صلاح حركة، محمد الشامي، زياد الصايغ، عمر المراد، جميل جبران، بسام حجار، علي صبري حماده، نقولا سالم، لقمان سليم، حارث سليمان، ميشال طراد، نديم عسيران، ميشال عقل، حَنين غدار، مصطفى فحص، ناصر فران، منيف فرج، ربيع قيس، أحمد مطر، محمد علي مقلد، سامي نادر، وجورج ناصيف.

استهل المؤتمر بكلمة لمالك مروة فتحدث عن أهداف التجمع وقال: «انطلاقاً من واقع الأزمة البنيوية العميقة، ومن ادراكنا لضرورة الانتفاضة عليها، وإعادة الاعتبار للمواطن والدستور والدولة، تنادينا وتداولنا في سبل تحقيق ذلك، ولكن حدثاً جللاً كان له الدور الحاسم في شدّ عزيمتنا وتعزيز تصميمنا على المضي قدماً ألا وهو «الربيع العربي». إن صيحات الربيع العربي التي انطلقت من تونس والقاهرة مطالبة بالحرية والكرامة الانسانية والديموقراطية وحقوق الانسان، تلك الصيحات كانت حاسمة في نزع أي تردد في نفوسنا ... وها نحن اليوم ننطلق من معاناة لبنان المزمنة وأزمته البنيوية المتشعبة لنضع أنفسنا، بكل واقعية وتواضع، في مسار الربيع العربي وما يحمله من وعود وأحلام وقيم وأهداف نبيلة».

اضاف: «الربيع يقول إن الانسان قيمة مطلقة وحريته قيمة مطلقة وكرامته قيمة مطلقة، مهما كان عرقه أو لونه او دينه أو مذهبه. الربيع العربي يقول إن الدولة الديموقراطية المدنية ممكنة ونحن نصدق ذلك وسنعمل من أجله. سنعمل لأجله في لبنان كجزء من حقوقنا لا بل من واجباتنا الوطنية، وسنؤيده ونرفده في أي بلد من البلدان العربية الشقيقة. أيها الاصدقاء، لسنا جزءاً من الاصطفاف السياسي القائم اليوم في لبنان، ولسنا في صراع مسبق مع أحد، ولا نطرح أنفسنا بديلاً عن أحد ولا امتداداً لأحد. نحن من نحن، أي موقّعي هذا النص ومن سينضم لمسيرتنا لاحقاً، نتخذ المواقف من المواضيع والقضايا، وليس من الأشخاص أو الأحزاب أو الأطراف. نتخذ المواقف وفق قناعتنا وبما يتوافق مع المنطلقات والمبادئ الواردة في البيان التأسيسي».

من جهة أخرى، اعلن غالب ياغي عن أهداف تجمع لبنان المدني وغاياته، مشيراً الى انحياز التجمع الواضح للربيع العربي وللدولة اللبنانية ولقيم المواطنة. وقال: «أطلقنا التجمع لنقيم تواصلاً وتنسيقاً لحراك لبناني يواكب ربيع العرب ويصنع ربيع لبنان، والتجمع هو اطار للتفاعل وتوحيد اللبنانيين جميعاً من أجل الدفاع عن الدولة والمؤسسات واطلاق المبادرات الوطنية. إنه تيار مدني على امتداد كل لبنان ينتشر في كل الطوائف ويناضل من أجل إسقاط نظام المحاصصة».

ثم تلا عبدالله رزق البيان التأسيسي مؤكداً «أن التجمع يتولى الدفاع عن مشروع الدولة في لبنان، دولة القانون والمؤسسات والحريات الديموقراطية والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص، الدولة المدنية الديموقراطية التي تتجسد من خلالها الوحدة الوطنية، إدخال الاصلاحات السياسية على النظام القائم من خلال الاصلاح السياسي وتحصين السلطة القضائية والاصلاح الاداري والاقتصادي والاجتماعي ما يجعل لبنان قادراً على مواجهة تحديات المرحلة الراهنة من العولمة ويعيده الى موقعه الرائد داخل المنظومة العربية».

«ربيع لبنان» يسعى إلى استرداد الجمهورية

من أجل الاضاءة على أهم المفاصل الواردة في البيان التأسيسي لـ «تجمع لبنان المدني» استطلعت «الراي» آراء عدد من أعضاء الهيئة التأسيسية وهم: عضو اللجنة التنفيذية في «حركة التجدد الديموقراطي» حارث سليمان، لقمان سليم الذي يملك «دار الجديد» للنشر، الاستاذ الجامعي ربيع قيس، والكاتب والصحافي علي الأمين.

وقارب حارث سليمان أزمة النظام اللبناني من منطلق «العجز البنيوي الذي يعانيه النظام الطائفي»، لافتاً الى أن «النظام السياسي في لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار بسبب أزمته البنيوية، فالمؤسسات السياسية معطلة، وأصبحت غير مؤهلة للقيام بواجباتها، وبالتالي فهذا المأزق انعكس على الحياة السياسية وعلى المجتمع وأدى الى ازدياد منسوب الطائفية، ونحن نسعى من خلال تجمع لبنان المدني الى استعادة مشروع الدولة وتركيز الضوء على خطورة الانقسام العمودي الخطير».

وأجرى سليمان مقارنة «بين الاستبداد الطائفي السياسي في لبنان واستبداد الأنظمة العربية»، ليخلص الى أن «الربيع العربي يرسم طريقه لإسقاط الاستبداد السياسي، وربيع بيروت يسعى الى استرداد الجمهورية»، مشدداً على «أن تجمع لبنان المدني ينحاز لربيع العرب من منطلق الانحياز للقيم الانسانية والحرية وحقوق الانسان».

من جهته رأى لقمان سليم «أن الربيع العربي شكل دافعاً لتأسيس تجمع لبنان المدني رغم أن فكرة المشروع تم التحضير لها منذ أعوام عدة»، موضحاً «أن الحِراك العربي يتطلب كحدّ أدنى الوقوف الى جانبه عبر نشر الكلمة التي تقف الى جانب ربيع العرب».

وإذ شدد سليم على «خطورة الانقسام العمودي الذي يمر بها لبنان في تاريخه الحديث وخصوصاً في الأعوام الأخيرة»، أشار الى أن لبنان أمام مشروعين «الأول لا يبالي ببناء الدولة ولا بالتعدد وحفظ التوازن الداخلي، والثاني يملك هذا المشروع وغير قادر على تنفيذه».

واعتبر ربيع قيس «ان التقاطع بين الربيع العربي وتأسيس تجمع لبنان المدني ينطلق من توجهات الحركات النضالية التي رفعها الشباب العربي ومن بينها الديموقراطية وبناء الدولة والتعددية»، مشيراً الى وجود تشابه «بين المبادئ التي أعلن عنها التجمع والحركة الاحتجاجية في العالم العربي» ومن بينها «المواطنة وتطبيق القانون وحقوق الانسان وإلغاء التوريث السياسي»، مؤكداً «اننا في صدد إطلاق نشاطات في الأسابيع المقبلة سيتم من خلالها تحديد خريطة عملنا».

اما علي الأمين فأكد أن تجمع لبنان المدني «لم ينطلق ليختصر الاصطفافات القائمة بين القوى السياسية اللبنانية، بل يهدف الى إخراج لبنان من حال الاصطفاف الراهنة»، موضحاً «ان الوثيقة السياسية ركزت على مسألة الدولة، وحددت مسائل متعددة بما يتصل بالاصلاح السياسي».

وحول الحضور الشيعي في المؤتمر، رأى الأمين «أن الثقل الشيعي في اللقاء له رمزية غير مقصودة، رغم أن الشخصيات الشيعية الحاضرة من خارج الحراك الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «امل»)، وهي تعبّر عن النخبة الشيعية التي لا تجد نفسها ضمن هذه الثنائية الراهنة، وربما وجدت نفسها في مشروع تجمع لبنان المدني، العابر لكل الطوائف، وبالتالي لا تستطيع تأكيد حضورها إلاّ انطلاقاً من مساحة مغايرة للمساحة المذهبية».

الكاتب: 
ريتا فرج
المصدر: 
التاريخ: 
الجمعة, أكتوبر 14, 2011
ملخص: 
حدد «تجمع لبنان المدني» انطلاقته بعدد من المبادئ الأساسية من أجل الدفاع عن مشروع الدولة، وما جاء في بيانه «التشديد على دولة القانون والمؤسسات والحريات والكفاءة، والدولة المدنية، والوحدة الوطنية، وسيادة القرار السياسي، والمطالبة بالاصلاحات السياسية وفي طلي