القمة وتثبيت الطائف

النوع: 

 

ترمز القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية التي ستعقد في بيروت اليوم الى الكثير على الصعيد الاستراتيجي، في علاقة الحراك العربي الواسع الذي تشهده المنطقة، والذي يشمل زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بيروت مع عقد هذه القمة.

وأول الأبعاد الاستراتيجية للقمة الثلاثية هو أن الراعيين الأساسيين لاتفاق الطائف الذي عقد عام 1989، أي السعودية وسورية، يثبتان هذا الاتفاق في رعايتهما الوضع اللبناني عبر هذه القمة. فاتفاق الطائف ارسى التوازنات الداخلية اللبنانية على صيغة دقيقة، بقيت معرضة لاهتزاز حيناً ولعدم التنفيذ والتطبيق حيناً آخر وتعرضت للتشكيك في أحيان أخرى نتيجة الأزمة السياسية الكبرى التي عصفت بلبنان منذ عام 2004 والتي دفعت ببعض الأطراف الى الدعوة لتعديل هذه الصيغة، لعل ذلك يساهم في إيجاد حلول لتلك الأزمة، لكن أياً من الفرقاء لم يطرح هذا المطلب في شكل واضح لتعذر هذا الأمر. بل ان اتفاق الدوحة الذي أنزل الأزمة السياسية التي أخذت طابعاً عسكرياً في أيار (مايو) 2008، من ذروة عالية بلغتها الى مستوى الحوار بين الأطراف استند الى اتفاق الطائف مرجعاً للتوازن السياسي الداخلي.

والقمة، سواء تطرقت، أم لم تتطرق الى مسألة تثبيت الطائف، فإن وجود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد معاً على الأرض اللبنانية في ظل تأزم سياسي جديد يشهده البلد الصغير، يعيد الى الأذهان هذا العنوان، لمجرد التنبه الى ما سبق حدث اليوم من مقدمات: سورية أعادت الاعتبار للطائف عبر علاقتها الجديدة مع رئاسة الحكومة ودورها في التركيبة السياسية والتوازنات اللبنانية، بعد سنوات من القطيعة مع هذا الموقع الدستوري اللبناني، والسعودية رعت وشجعت استعادة العلاقات المميزة بين لبنان وسورية باعتبارها بنداً رئيساً في اتفاق الطائف، بعد سنوات من الجفاء والخصومة الشديدة، وهو ما قطع شوطاً حين جرى تثبيت اتفاقات وتوقيع الجديد منها خلال زيارة الحريري الأخيرة العاصمة السورية…

تكثر الدلائل الى مدى التمسك السعودي – السوري باتفاق الطائف وأبسطها أن المصالحة بين الرياض ودمشق وضعت الاستقرار اللبناني بنداً أساسياً من بنودها. واتفاق الطائف هو وثيقة هذا الاستقرار ودستوره ووصفته «الطبية» حيال أي إخلال بالتوازنات اللبنانية لأنه إخلال يهدد هذا الاستقرار.

لكن تثبيت الطائف من قبل الراعيين يطرح عليهما، وعلى اللبنانيين الذين يتحملون مسؤولية قصوى هنا، تحديات كبرى تتعلق باستكمال تنفيذ هذا الاتفاق. فتأخير تنفيذ عدد من بنوده كان سبباً لاهتزاز الاستقرار. والتحديات في هذا المجال متوسطة وطويلة الأمد، بحيث تبقى الرعاية السعودية – السورية حاجة مستمرة.

وإذا كانت كل من الرياض ودمشق احتفظت بعلاقات مع فريق «حليف» أو مع جهات محددة في مرحلة التأزم في علاقاتهما وتحديداً على أرض لبنان، فإن الرعاية الجديدة لعملية تثبيت الطائف وإعادة إطلاق دينامية الالتزام به ترتب على كل منهما صياغة جديدة للعلاقة مع الفرقاء الداخليين بحيث يوجب ذلك توسيعاً لرقعة هذه العلاقات، ويوجب أيضاً تكيفاً من حلفاء كل منهما مع مقتضيات المرحلة الجديدة.

لكن ما يشغل بال اللبنانيين وقادتهم بالتزامن مع القمة الثلاثية يتعلق أكثر بالتأزم المستجد على خلفية حملة «حزب الله» على المحكمة الدولية واحتمال صدور قرار ظني بتورط أفراد من الحزب في جريمة اغتيال الحريري، أكثر من انشغالهم بأسئلة يفرضها التثبيت السعودي للطائف. فسعيهم الى أجوبة عما إذا كان هذا التأزم سيقودهم الى فتنة جديدة، يضع السؤال عما إذا كانت القمة الثلاثية ستعيد تفويض سورية بحلة جديدة من دون وجود عسكري بالشأن اللبناني، في مرتبة ثانية من الأهمية. كما أن إلحاحهم على الاطمئنان الى إمكان تجنب الحرب الإسرائيلية عليهم، يصرفهم عن السؤال عما سيكون عليه موقف إيران التي أجّلت زيارة رئيسها للبنان الى ما بعد عيد الفطر، مطمئنة الى قدرتها على لعب دور بعيداً من التسويات التي يجري ترتيبها الآن.

لا يأمل البعض بأكثر من تثبيت اتفاق الدوحة بما هو هدنة مخرجاً من التأزم الراهن المتعلق بالمحكمة. وهنا ينضم الدور القطري الى الدورين السعودي والسوري. فلا أحد لديه أجوبة عملية واضحة يمكن القمة أن تسعى إليها، عما يقلق «حزب الله»، حتى أن الحزب نفسه لم يقدم جواباً واضحاً قابلاً للتنفيذ حيال موضوع المحكمة.

الكاتب: 
وليد شقير
التاريخ: 
الجمعة, يوليو 30, 2010
ملخص: 
تثبيت الطائف من قبل الراعيين يطرح عليهما، وعلى اللبنانيين الذين يتحملون مسؤولية قصوى هنا، تحديات كبرى تتعلق باستكمال تنفيذ هذا الاتفاق. فتأخير تنفيذ عدد من بنوده كان سبباً لاهتزاز الاستقرار. والتحديات في هذا المجال متوسطة وطويلة الأمد، بحيث تبقى الرعاية ا