العماد عون والسعي لتزعم مسيحيي الشرق
أدارت "المارونية السياسية" ظهرها للعرب والعروبة طوال سنوات وعقود، وظن ساستها وبطاركتها وقادة مليشياتها أن الغرب، والغرب وحده، هو الحضن الدافئ لمسيحي الشرق، خاضوا حروبا ومعارك ضد المقاومة الفلسطينية والوجود السوري في لبنان، وتصدوا للحركة الوطنية بشعاراتها اليسارية والقومية، ورفعوا لواء "الأم الحنون" و"الوطن النهائي" و"1452 كم مربع" إلى غير ما هنالك من مقاربات.
الخلاصة بعد ثلث قرن على اندلاع الحرب الأهلية، وعقدين على اتفاق الطائف ومثلهما على "حروب التحرير والإلغاء"، أن مشروع "المارونية السياسية" وصل إلى طريق مسدود، فلا لبنان انفصل عن العرب والعروبة حتى بعد مقتل الحريري ونمو تيار 14 آذار، ولا أداور المسيحيين تعززت في كعكة السلطة والثروة في لبنان، بل بالعكس، فقد سجلت تراجعا ملحوظا بعد الطائف، ولا الطائفة المارونية بخاصة والمسيحيين عموما صاروا في حال أفضل، فأعدادهم تتراجع ونسبتهم إلى مجموع السكان تتقلص وهجرتهم إلى الغرب المسيحي إلى تزايد.
هي قصة فشل في التحليل الأخير، دفعت المسيحيين إلى البحث عن قيادات بديلة خارج إطار الإقطاع السياسي المسيحي، وخارج أطر المليشيات والأحزاب المارونية التقليدية، وفي هذا السياق، وبه وحده، يمكن تفسير ظاهرة العماد ميشيل عون الذي قطف أصوات 70 بالمائة من مسيحيي لبنان في الانتخابات الأخيرة، وثمة من يراهن بأن الرجل سيظل في صدارة القوى المسيحية حجما ووزنا وتأثيرا بعد الانتخابات المقبلة، حتى وإن تراجع قليلا إلى الوراء.
العماد عمان، ومعه تيار غير متبلور نهائيا بعد هو التيار الوطني الحر، شارك "المارونية السياسية" الكثير من طروحاتها السياسية والفكرية طوال سنوات وعقود، بيد أنه انتهى على ما يبدو إلى خلاصة مؤدّاها أن مستقبل مسيحيي الشرق رهن باندماجهم في الشرق، وبالتعايش مع شعوبه وأنظمته ودولته، وأن الرهان على الغرب لم يكن في محله دائما، وأن الغرب المسيحي فرط بمسيحيي الشرق على مذبح مصالحه المرة تلو الأخرى، وليست ثمة من ضمانة بأن المشهد لن يتكرر ثانية، بل وليس ثمة ضمانة، بأن المسيحيين لن يدفعوا ثمن التغريد خارج سرب المنطقة.
في هذا السياق، فضلا بالطبع عن سياق اللحظة السياسية اللبنانية، تندرج زيارات العماد المسيحي لكل من إيران الشيعية وسوريا العلمانية، فالرجل الذي توّج زعيما بلا منازع لمسيحي لبنان، يبحث في توسيع مظلة زعامته لتشمل مسيحيي المنطقة برمتها، ولهذا كان الرجل حريصا على إضافة صبغة مسيحية على جدولي زيارتيه لإيران وسوريا، حيث حفلت بلقاءات مع ممثلي الطوائف المسيحيية وزيارات للكنائس وغير ذلك مما أثار حفظية مسيحيي لبنان من خصومه ومنافسيه، بمن في ذلك "مرجعية البطريريك في بكركي" برغم أن الرجل لا يقدم نفسه كزعامة دينية، بل سياسية للمسيحيين.
على المدى المباشر، قد تثير حركة العماد على محور سوريا – إيران حفيظة بعض الشرائح المسيحية التي ما اعتادت على التوجه شرقا، بيد أن ما يفعله العماد عون على المدى البعيد، قد يكسبه على المدى المتوسط والبعيد، قوة تمثيلية مسيحية تتخطى لبنان إلى المشرق...عندها وإذا ما حصل ذلك، ستكون المرة الأولى التي ينتج فيها لبنان زعامة مسيحيية عابرة لحدوده، وهو الذي أنتج زعامات مسلمة عابرة لجغرافيته الصغيرة على أية حال.
لكن حركة العماد على ما فيها من طموحات بعيدة المدى وحسابات سياسية مباشرة، تبقى محاطة بالكثير من المجازفة، فالمهمة التي يقدم عليها الرجل ليست سهلة، واللاعبون الإقليميون الذين يتعاطون معه ويتعاطى معهم، ليسوا دائما ذخرا لأصدقائهم، فأحيانا يتحولون إلى عبء عليهم.