أبعد من حرب تناتش الحصص: المفاوضات هزت الطائف مرارا!
صحيح أن الرئيس المكلف سعد الحريري نجح في نهاية مخاض عسير في تأليف الحكومة التي انتظرها اللبنانيون على مدى أكثر من خمسة شهور، ولم يعد ينقصها إلا صدور المراسيم معلنة ولادتها. لكن الصحيح أيضا أن مرحلة المفاوضات الشاقة لم تقتصر، على عكس الاعتقاد الغالب، على حرب تناتش الحصص بين الأفرقاء الخارجين “منتصرين” من الانتخابات النيابية. ذلك أن قراءة متأنية لهذه لرحلة الشاقة تتيح استنتاج أن القطار الحكومي توقف عند محطات عدة كادت تطيح اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وبات للمفارقة، نموذجا (قد) يحتذى لحل كبريات أزمات المنطقة.
وفي السياق يذكر مراقبون تابعوا عن كثب مسار التشكيل عبر “المركزية” بأن المخاض الحكومي طبع طويلاً بما سماها الفرقاء المستوزرون “المعايير” المفترض اعتمادها لتأليف حكومة العهد الأولى، علما أن حكومات سابقة لم تكن مفصلة على قياس “معايير محددة.
وفي هذا الاطار يبحر البعض بعيدا في تاريخ لبنان الحديث، إلى حد التذكير بأن الحكومات في عهود سابقة كانت تقتصر على عدد قليل من الوزراء لا يتعدى أصابع اليد الواحدة في بعض الحالات، على أن تلتقي الكتل غير الممثلة في الحكومة في إطار معارضة تقع عليها مهمة مراقبة العمل الحكومي لتصويب الأداء في حال برزت حاجة إلى ذلك. وفي السياق نفسه، يذكر المراقبون أن حتى المطالبون باعتماد معيار موحد في التشكيل غيروا هذا المطلب مرات عدة، في خطوة كان من شأنها تعقيد المهمة على الرئيس المكلف سعد الحريري الذي كان عليه التوفيق بين مطالب الجميع.
وإلى جانب “معركة المعايير” التي شهدتها حلبة التأليف، خصوصا على المستوى المسيحي، ينبه المراقبون أنفسهم إلى أن مخاض التأليف مر في مراحل يمكن اعتبارها خطرة. وفي هذا الاطار، تبقى حرب الصلاحيات التي انبرى إليها صقور تيار المستقبل، وفريق العهد والدائرين في فلكه. ذلك أن رد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسودة كان الحريري قد وضعها في عهدته في 3 أيلول الفائت أثار زوبعة من الاستنكار في أوساط الرئيس المكلف، دفع بعض الدائرين في فلك بعبدا إلى ردود عنيفة حذرت من المس بصلاحيات رئيس الجمهورية، في وقت يؤكد بعض المشاركين في الطائف أنها واضحة في الدستور، شأنها في ذلك شأن الصلاحيات العائدة إلى الرئيس المكلف. وتاليا، فلا حاجة إلى التذكير بها “كل ما دق الكوز بالجرة”، على غرار البيان الذي أصدره رؤساء الحكومات السابقون، في محاولة منهم لمد الرئيس الحريري بجرعة دعم، ما دفع بعض المتشائمين إلى الحديث عن أزمة نظام بدأت تلوح في الأفق تمهيدا لتعديل الطائف طبقا لما يريده فريق سياسي، أو بالأحرى، محور اقليمي معين، بعد قرابة ثلاثة عقود على إقراره عام 1989. إلى هذه الصورة، يضيف المراقبون الآنف ذكرهم المخاوف التي أبدتها أوساط سنية إزاء احتمالات العزف على وتر الصلاحيات الرئاسية في نسخة عام 1943، حيث كان رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي أحدهم رئيسا.
وأمام هذه الصورة، وقبيل ساعات من صدور مراسيم التشكيل الذي تراقص الطائف على حباله مرات عدة، يدعو بعض المشاركين في مفاوضات هذا الاتفاق إلى استكمال تنفيذه بعد أعوام على الانسحاب السوري، بدلا من جعلته يترنح تبعا للمصالح والحسابات البعيدة المدى!