بين المادتين 43 و73 من الدستور: آليات انعقاد المجلس وانتخاب رئيس الجمهورية

النوع: 

 

من المنتظر أن يدعو رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري إلى عقد أول جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية قبل شهر على الأقل من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بموجب المادة 73 من الدستور، وذلك التزاماً منه بتطبيق النصوص الدستورية، ولعدم تقييد صلاحيته في دعوة المجلس لانتخاب الرئيس بعد هذا التاريخ، وعدم الإنتقال إلى حالة اجتماع المجلس حكماً لانتخاب الرئيس في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية الرئاسية. ومع وجوب تطبيق هذا النص الدستوري بحرفيته، فإنه لا يصح بعد ذلك التوسع في تفسيره بادّعاء حق المجلس بتكرار الاجتماع حكماً في الأيام التي تلي الموعد الدستوري الوحيد المعيّن لهذه الغاية بموجب المادة 73. فالنص واضح وصريح في تعيين هذا الموعد الوحيد دون غيره، وفي حالة وحيدة هي عدم توجيه الدعوة قبل هذا الموعد من أجل التئام المجلس قبل انتهاء ولاية الرئيس، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

أما آليات انعقاد المجلس وانتخاب رئيس الجمهورية فهي محكومة بالنظام الداخلي للمجلس النيابي الصادر بتاريخ 30/10/2003. وهو نظام ملزم قانونياً ودستورياً بموجب المادة 43 من الدستور التي نصت على أنه: «للمجلس أن يضع نظامه الداخلي». وقد نصت المادة 5 من النظام الداخلي للمجلس النيابي على صلاحيات رئيس مجلس النواب بتمثيل المجلس والتكلم باسمه. ورعاية أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي في المجلس، وترؤس الجلسات، وتولي الصلاحيات المنصوص عليها في هذا النظام، وحفظ الأمن داخل المجلس وفي حرمه، ولفظ وتطبيق العقوبات. ونصت المادة 6 من هذا النظام على تولّي نائب الرئيس صلاحيات الرئيس في حال غيابه أو عند تعذّر قيامه بمهمته. وإذا تعذّر على الرئيس ونائبه متابعة رئاسة الجلسة، يتولى الرئاسة أكبر الأعضاء الحاضرين سناً وذلك بتكليف من الرئيس أو نائبه. ومعنى ذلك أنه لا يجوز استمرار انعقاد المجلس بغياب رئيسه ونائبه ما لم يقم الرئيس أو نائبه بتكليف أكبر الأعضاء الحاضرين سناً بموجب المادة السادسة من النظام الداخلي. وهكذا يتبين من المادتين 43 و73 من الدستور والمادتين 5 و 6 من النظام الداخلي للمجلس النيابي وجود أربع حالات رئيسية لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهي كما يلي:

أولاً- حالة عقد الجلسة لانتخاب رئيس الجمهورية بدعوة من رئيس المجلس قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر. وفي هذه الحالة يقوم رئيس المجلس أو نائبه في حال غيابه أو تعذر قيامه بمهمته بترؤس هذه الجلسة، وتبقى إمكانية تكليف أكبر الأعضاء الحاضرين سناً بمتابعة رئاسة الجلسة من قبل رئيس المجلس أو نائبه بموجب المادة السادسة من النظام الداخلي.

ثانياً- حالة غياب رئيس المجلس أو تعذر قيامه بمهمته، وتحقُّق هذه المسألة مشروط بموقف وتقدير رئيس المجلس الذي يعود له الطلب إلى نائبه بتولي صلاحياته بسبب غيابه أو تعذر قيامه بمهمته بموجب المادة السادسة من النظام الداخلي، وفي هذه الحالة يمكن لنائب رئيس المجلس أن يتولى صلاحيات الرئيس بالدعوة إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية المنصوص عليها في المادة 73. ومن المؤكد أن نائب الرئيس لا يملك سلطة تقدير مسألة غياب الرئيس وتعذر قيامه بمهمته في هذه الحالة، ولا يحق له ادّعاء غياب الرئيس وتعذّر قيامه بمهمته من تلقاء نفسه من أجل نقل صلاحيات الرئيس إليه، وتوجيه الدعوة إلى المجلس من أجل انتخاب رئيس الجمهورية.

ثالثاً- في حال لم يُدْعَ المجلس من قبل رئيسه - أو نائبه بطلب منه - ليلتئم قبل شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر من انتهاء الولاية الرئاسية، تعقد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد اجتماع المجلس حكماً في اليوم العاشر قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي بموجب المادة 73 من الدستور. ويمكن لرئيس المجلس ترؤس هذه الجلسة في حال حضوره بالرغم من عدم دعوته إليها، وإلا فإن مهمة رئاستها تصبح من صلاحيات نائب الرئيس الذي يستطيع أيضاً تكليف أكبر الأعضاء الحاضرين سناً بمتابعة رئاسة الجلسة وفق المادة 6 من النظام الداخلي. ومن الواضح أنه لا يمكن للمجلس النيابي أن يجتمع حكماً في حال وُجّهت الدعوة لانعقاد المجلس ضمن المهلة الدستورية ولو لم تفض هذه الدعوة إلى اكتمال نصاب الحضور للانعقاد والانتخاب.

رابعاً- في غير الحالات السابقة، وفي حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية بناءً على توجيه الدعوة إلى المجلس من قبل رئيسه، أو نائبه بطلب منه، أو على اجتماع المجلس الحكمي في اليوم العاشر قبل انتهاء ولاية الرئيس، هناك حالة رابعة تتعلق باستعادة رئيس المجلس لصلاحيته في الدعوة إلى عقد جلسة جديدة لانتخاب الرئيس، وذلك في حال عدم التمكن من انتخابه في اجتماع المجلس الحكمي بموجب المادة 73 من الدستور. وتبقى هذه الصلاحية لرئيس المجلس قبل انتهاء الولاية الرئاسية، ويمكن أن تستمر لما بعد الشغور في سدة الرئاسة ولغاية التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي هذه الحالة لا يعود متصوراً انعقاد المجلس لانتخاب الرئيس إلا بدعوة من قبل رئيس المجلس النيابي، أو نائبه بطلب منه بموجب المادة 6 من النظام الداخلي.

بالنسبة إلى نصاب الحضور لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ونصاب انتخابه الذي حددته المادة 49 من الدستور بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، وبالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي، سيعود الجدل الدستوري مجدداً حول وجوب تعديل نص المادة 49 لعدم الوقوع في الفراغ الرئاسي. وهناك مسألتين أساسيتين في هذه المادة: هل فعلاً أن نصاب الثلثين مطلوب لانعقاد كل جلسة مخصصة لانتخاب الرئيس بالإستناد إلى نصاب الثلثين المحدد لانتخابه في الدورة الأولى؟ أم أن نصاب انعقاد جلسات انتخاب الرئيس في الدورات التالية على الأقل يكون «النصف زائد واحد» قياساً على اكتفاء نص المادة 49 بالغالبية المطلقة لانتخاب الرئيس في الدورات التي تلي انعقاد الدورة الأولى؟ إن قدرة المعطلين على عدم تأمين نصاب الإنعقاد في الدورة الأولى يؤدي إلى تعذر إنتخاب الرئيس بالغالبية المطلقة في الدورات التالية، وهو أمر غير مقبول دستورياً، ويتعارض مع غاية نص المادة 49 في تسهيل عملية إنتخاب الرئيس وعدم الوقوع في الفراغ في موقع الرئاسة الأولى في لبنان. وبكلمة أخيرة؛ المشكلة ليست في الدستور، بل هي في عدم تطبيق الدستور.

الكاتب: 
المحامي د. أحمد مكداش
التاريخ: 
الاثنين, سبتمبر 12, 2022
ملخص: 
قدرة المعطلين على عدم تأمين نصاب الإنعقاد في الدورة الأولى يؤدي إلى تعذر إنتخاب الرئيس بالغالبية المطلقة في الدورات التالية، وهو أمر غير مقبول دستورياً، ويتعارض مع غاية نص المادة 49 في تسهيل عملية إنتخاب الرئيس وعدم الوقوع في الفراغ في موقع الرئاسة الأولى