الدور الوطني الميثاقي لسنّة لبنان بين الإقصاء والشراكة

النوع: 

 

منذ الميثاق الوطني، بين عملاقي الاستقلال، عرف لبنان تسويات ثنائية أو أكثر لإدارة البلاد والعباد. ومع اتفاق الطائف، أضيفت الى النكهة الميثاقية، مقتضيات الوفاق الوطني، ليُعجن هذا الخليط، في عرف يدير عجلة الديمقراطية في السياسة اللبنانية. ويبدو أن هذه الروحية، غدت تحتل المقام الأول قبل الدستور، ليتخذها السياسيون اليوم شمّاعة تُستخدم سلبا وإيجابيا،ً لتمرير ملفات واستحقاقات ولتعقيد وعرقلة أخرى.

غير أن تأويلات الميثاقية المتباينة، استهدفت سنّة لبنان في دورهم السياسي، من خلال تثقيل الأوزان ضدهم، وعرقلة الشراكة معهم وصولاً الى الإقصاء. على الرغم من أن الخطاب التقليدي الثابت عند رجال الحكم من الطائفة: «نحن أكبر من المحاصصة، وما حدا أكبر من بلده»... ولطالما كان دورهم «بيضة القبان» و«أم الصبي» في الحفاظ على «لبنان»، من خلال نسج شراكة وطنية تشمل كل الأطياف. وعمل هذا الأداء السياسي، على إعادة الدينامية السياسية؛ فكان الدور السنّي كالإطفائي، يغامر كي لا تحترق الميثاقية والشراكة، ولا حتى اتفاق الطائف، على مذبح المصالح السياسية الضيقة.

لقد أفرز اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، تعقيدات قسمت البلاد بين تياري 14 و8 آذار، فوجد السنّة أنفسهم في موقع الحكمة، لامتصاص نقمة الشارع، فقاموا بتحالفات مؤقتة وضمنية، لاستيعاب الكسر السياسي. وكان مستهجناً، تجاهل البعض لزلزال الاغتيال، واعتبار الحدث عابراً، فاستخدموا قاموس الوفاق والميثاقية للتعطيل، ولعرقلة الديمقراطية «كالعصي في الدواليب». فاستدرجوا نوايا الدور السنّي الحميدة، وطروحات «فك الاشتباك»، لا سيما في تشكيل الحكومة وهي استحقاق كبير، الى مستنقع الابتزاز. وجهد البعض لتحويل موقع رئاسة الحكومة، الى صندوق بريد، متناسيا أن هذا الموقع منعكس من السلطة التشريعية. كما تناسى الجميع أن هذا الموقع يشغله رئيس الحكومة كممثل للطائفة السنية «حامية الدولة» قبل غيرها من الطوائف، وذات العمق العربي.

من المستغرب، أن يفهم البعض التدوير السنّي للزوايا تراخٍ وفشل سياسي، ظنا أنه يقع ضمن إطار محاولات الحفاظ على دور متآكل، أو سعيا للبقاء الباهت على الساحة السياسية. والحقيقة، لعبت بعض التسويات دورا سلبيا في الإيحاء أن الدور السنّي الوطني بات يحتاج الى رخصة، وشهادة حسن سلوك، من طوائف أخرى. وتذاكت قوى حزبية، بتكوين طبقة سياسية سنية «شبحية»، لتدور في فلك بعيد عن هوية شارعها الوطني والعربي.

هذه البدعة في الإقصاء السياسي لاحقت الحضور السنّي من السياسة الى الإدارة العامة، حيث شغلت بعض مقاعدهم الشاغرة قوى أخرى، أو بقيت بانتظار «التوافق» على أسماء «غير مستفزة»! وازداد الواقع مرارة مع تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي قبيل الانتخابات النيابية عام 2022، والذي انسحب الى الحياة العامة، ومفاصل الدولة، مما ترك أبناء الطائفة نهبا لمشاريع الاستنساخ والإقصاء.

ويسجل في هذه الانتخابات اختراق النواب السنّة، الذين أبوا المقاطعة، وخاضوا بشراسة، ميدان نضال بالإمكانات المتاحة، بالرغم من تحديا+ت التكتلات الحزبية، ودعوات المقاطعة من قبل بعض كوادر التيار، وعمل ماكينات انتخابية لاصطياد الفراغ، وتجيير البعض رافعة سنية لصالح تفضيل مقاعدها الانتخابية. وغني عن القول أيضا تأثير المال السياسي التي كان يبذل لشراء الأصوات والمعتكفين. فكان «نجاح الشجعان» محاولة لإعادة التوازن الى الحضور السنّي، وهو الربان الأخير لسفينة نوح، حاملا شعار «لبنان أولاً».

وعلى الرغم من ممارسة بعض الزعامات السياسية، لغة «تجاهل العارف» في تبخيس الوزن الجديد، يتعملق هذا الحضور المحقق بعرق الجبين، مقابل تقزّم مساعي الإقصاء، ومحاولات مصادرة البُعد العربي للطائفة. إذ فسّر المحللون بشكل مغلوط أن «الدلال» الذي تحصّله بعض القوى من الدول العربية، قد يكون على حساب البُعد العربي لسنّة لبنان، في حين أنه بُعد لا يتأثر بالسياسة، بل بقوة التاريخ والاجتماع، ومناعة الجغرافيا.

بيد أن هذا الحضور، يحتاج الى تأطير يحيله متماسكاً متجانساً، جديرا بقوة الكلمة والموقف، خوفا من احتلال تكتلات نيابية وحزبية مساحته السياسية. ولعل سماحة مفتي الجمهورية أدرك أهمية تأطيره، من خلال دعوة النواب السنّة الى لقاء في الدار الكريمة، وصياغة بيان وطني في 24/9/2022، حيث تم التأكيد على الثوابت الوطنية، وهوية لبنان، وسيادته؛ كما تمت إدانة كلّ تجاوزات الطعن في أسس الوفاق الوطني. وأكّد اللقاء على أهمية العمل النيابي المشترك، من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ضمن المهلة الدستورية، على قاعدة التزامه بالقسم الدستوري، والوفاء لشعب لبنان وكرامته ومصالحه العليا.

الكاتب: 
د. حسام محيي الدين
التاريخ: 
الخميس, نوفمبر 17, 2022
ملخص: 
عرف لبنان تسويات ثنائية أو أكثر لإدارة البلاد والعباد. ومع اتفاق الطائف، أضيفت الى النكهة الميثاقية، مقتضيات الوفاق الوطني، ليُعجن هذا الخليط، في عرف يدير عجلة الديمقراطية في السياسة اللبنانية.