مخاطر الحوار المرن بحثاً عن رئيس.. تلاعب باسيل عند المادة 81 يهدّد وحدة الدولة!
السؤال: هل الطائف أوقف الحرب بين اللبنانيين، أم أن الحرب انتهت إلى ما يمكن اعتباره اتفاقاً أو عقداً جديداً، سُمِّي وثيقة الوفاق الوطني، أو اتفاق الطائف، الذي صار دستوراً؟
مناسبة طرح هذا التساؤل، في جزئه السوي وجزئه المعاكس، الحوار «المرن» (بتعبير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله) بين الحزب والتيار الوطني الحر، الذي أعاد تجديد البيعة بالتزكية لجبران باسيل، رئيس التيار ورئيس تكتله النيابي.
وللتوضيح أكثر، انبثق الحوار بعد فتور بين الطرفين، غداة الرفض الصريح والعنيف، الذي أبداه باسيل ضد ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، رئيس تيار المردة، والذي يرتاح الحزب الى وصوله الى رئاسة الجمهورية، من أجل عدم طعن المقاومة في الظهر.
خاض باسيل حملة شعواء ضد الحزب من باب «عتبه على الصادقين» (في غمز مباشر من قناة السيد نصر الله مباشرة) قبل أن يذهب الى مناورة، قادته لاحقاً الى الحوار مع الحزب، وهي التقاطع مع الأحزاب المسيحية، وفي مقدمها كتلة حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وبعض القوى مما اطلقت على نفسها اسم التغييريين..
عاد باسيل الى الحزب، مسلحاً بتعدد خياراته، ومن باب الحرص على عدم الصدام مع أي فصيل لبناني، وطرح في جلسات المصارحة، قبل «الحوار المنهجي»، والذي يعوّل عليه الحزب لإدراك مبتغاه بإيصال فرنجية الى بعبدا، مدعوماً بعطف فرنسي، لا يخفى حتى على أبسط المشتغلين بالعمل السياسي.
اختبر باسيل، في السنوات التي تلت اتفاق مار مخايل عام 2006، كيف يقارب حزب الله المسائل في البلاد، وأن الأولوية لديه سلاحه، ومقاومته، «وقلة النقار» حول دوره المحلي والاقليمي بين القوى السياسية، أما المسائل الباقية فهي قابلة للأخذ والرّد، بما في ذلك الاتصالات الى ما كان يعتبره رئيس التيار الوطني الحرب معركته، اي إعادة الحقوق للمسيحيين في انتخاب من يعبّر عنهم وعن مصالحهم، أسوة بباقي الطوائف، التي التهمت ضمن «نظرية المحدلة» الشتات المسيحي النيابي، وأطرته ضمن كتلها الكبرى، من حركة أمل، الى الحزب التقدمي الاشتراكي فتيار المستقبل إلخ...
طرح نائب البترون البرنامج قبل الشخص، فلا همّ اذا تم الاتفاق على ما يمكن ان ينجزه الرئيس العتيد والتزم به من انتخابه، ودعم توجهاته..
لاقى الحزب باسيل بأكثر من ابتسامة.. وبدأ الحوار المرن، حول ما يمكن ان يسمى باللامركزية الإدارية والمالية، وهي الشرط الأول والأخير في معركة باسيل ضد: المنظومة وعلى رأسها نبيه بري- توأم الحزب مع حركة امل، وباقي الأطراف من نجيب ميقاتي الى آل جنبلاط وفرنجية وسواهم..
ولاحقاً في معركة باسيل ضد الحزب نفسه، اذا ما تعذر التوصل الى استراتيجية دفاعية، والموقف مما حدث بالكحالة دليل على التنصل، لاعتبارات متعددة.. فضلاً عن الثأر من الطائف الذي اخرج صلاحيات الرئيس من يد الموارنة، ووزعها بين مجلس الوزراء مجتماعاً والوزارة وصولاً الى المدراء العامين..
في مقدمة الدستور، تحدثت الفقرة «ز» عن الانماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، واعتبرته «ركناً أساسياً من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام».
كانت وثيقة الوفاق عام 1989، تحدثت عن اللامركزية الادارية الموسعة، ودعت لتطبيقها، إلَّا ان الدستور لم ينص عليها، في أي من مواده..
ومع ذلك، اضاف باسيل اليها اللامركزية المالية، وحدد أهدافها، في مهرجان لتياره قبل أيام في كسروان، وهي إسعاد الشعب اللبناني، وعدم ذهاب المال الى الطبقة الفاسدة ضمن المنظومة الحاكمة، معتبراً ان اللامركزية المالية، المبنية على اللامركزية الادارية قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ..
يعرف الطرف المسيحي، الذي كان الأقوى بعد عودة مؤسِّسه من المنفى عام 2005، وخوضه الانتخابات النيابية، التي جاءت حصيلتها بما يشبه التسونامي (بالتعبير الجنبلاطي) أن المسألة هي خروج على «وحدة الدولة» وربما ليس على استقرار النظام، وهي تحتاج الى تعديلات دستورية، من شأنها ان تطيح بالنظام المالي المركزي، وتضعفه لمصلحة الادارات الناشئة تحت مسميات مختلفة.. فمثلاً عندما تتحدث المادة 81 من الدستور ان الضرائب العمومية «تفرض.. ولا يجوز إحداث ضريبة وجبايتها في الجمهورية اللبنانية الا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء»..
والسؤال بموجب أي قانون ستتم الجباية في المناطق المستحدثة والمتسخلة ادارياً من العاصمة، وهي مركز القرار، ومركز السلطات ومكان تأديتها وظائفها؟
عودة الى السؤال، في مستهل المقال: الاجابة عندي ان الحرب هي التي انتجت الطائف، ومهما يكن وصفه او مصيره، فهو ما أفضت اليه محادثات النواب برعاية دولية وعربية، من أجل وقف المعارك، بالحفاظ على نظام الجمهورية، واعتبار (الفقرة ط) أرض لبنان أرضاً واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة علي اي جزء منها، والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس اي انتماء كان او تجزئة أو تقسيم أو توطين».
اعتقد أن الحزب يخطئ كثيراً في السير في مثل هذا النوع من الحوارات، التي لا يجوز ان تكون ثنائية أو ثلاثية، ومن غير الممكن التمادي في عملية التضليل والتهويل والعويل، فإنتهاء الأطراف المسيحية إلى أن الحل الأمثل بإنهاء لعبة التعايش المشترك، هو إيذان بفسخ وحدة الدولة، ولعلَّ رفض الانتخاب لرئيس مسيحي، خير دليل على ذلك، فالأولوية للمشاريع الخاصة، وليست لوحدة الدولة.. فإذا لم يدرك الحزب المخاطر منذ اللحظة.. فهو يكون كمن يعزف على الغيتار نفسه؟!