ديبلوماسية الفاتيكان تعمل بصمت… هل تنقذ الجمهورية ورئاستها؟
الملف اللبناني خصوصاً الرئاسي منه يطرح بقوة هذا الأسبوع على أكثر من طاولة في الخارج وخلال أكثر من لقاء إن كان على مستوى رؤساء دول أو وزراء خارجية أو سفراء، وسيشكل محور النقاش بين أعضاء اللجنة الخماسية اليوم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي تسبق عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت. وبالتوازي، هناك ترقب لما سيصدر من القارة العجوز بعد الاجتماع المقرر بين البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مارسيليا جنوب فرنسا، والمخصّص للبحث في “الهجرة واللجوء على ضفتي البحر الأبيض المتوسّط”، وسيكون للملف اللبناني جزء مهم من الحوار، ويشارك فيه النائب البطريركي العام على نيابة صربا المارونية المطران بولس روحانا ممثلاً الكنيسة المارونية والذي يحمل الى المؤتمر ورقة عمل تعنى بملف لبنان كاملاً بالاضافة الى أوراق خاصة بملف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وهجرة اللبنانيين، وما ترك ذلك من تداعيات على هوية لبنان.
وفي القارة الأوروبية أيضاً، يتزامن إجتماع مخصص في جزء كبير منه للقضيّة اللّبنانيّة تعقده أمانة سرّ دولة الفاتيكان برئاسة الكاردينال بييترو بارولين، بمشاركة واسعة من سفراء الدول الأعضاء في اللّجنة الخماسيّة لبحث خريطة طريق عمليّة إنقاذّية في ظل الحديث عن أن الصراع الجوهري اليوم ليس حول رئيس الدولة بل حول الدولة بحد ذاتها أي على الكيان والمؤسسات، وطبيعة النّظام السياسيّ اذ هناك توافق على منع أي نقاش في اتفاق الطائف لأن ايران تطالب من خلال “حزب الله” بفتح النقاش حول صيغة النظام في حال انتخاب رئيس وسطي أو اللجوء الى الخيار الثالث، وهذا ما سيتم رفضه رفضاً قاطعاً وفق ما قاله أحد المطلعين لـ”لبنان الكبير”.
إذاً، يأمل اللبنانيون خروج الدخان الأبيض من كل هذه المساعي خصوصاً الفاتيكانية منها على الرغم من أن البعض يشكك في قدرة الدوائر الفاتيكانية على التأثير على قادة عواصم العالم، الا أن مصدراً مطلعاً أكد لموقع “لبنان الكبير” أن “حاضرة الفاتيكان لا تصرح انما تعمل بصمت بعيداً عن الاعلام والاعلان. وبالتالي، علينا المراهنة على عمل فاتيكاني صامت وهادئ بغض النظر عن المعمعة والكلام المرتفع السقف. وللذين يعتبرون أن دولة الفاتيكان لا يمكنها أن تؤثر في السياسة الدولية، نقول ان هؤلاء لا يفهمون كيف تعمل دولة الفاتيكان التي لديها حلفاء في كل العالم ليس على المستوى السياسي وحسب، انما على مستوى المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والمؤسسات الدينية ومجالس الكنائس. الفاتيكان كتلة ضغط أخلاقية، وكل تسخيف لدور هذه الدولة، جهل في قراءة الديبلوماسية والعمل المعقد في السياسة. مع التأكيد هنا أن ليس للفاتيكان أي مرشح رئاسي كما يتم التسويق في الاعلام، فهي تفهم جيداً تعقيدات الوضع اللبناني، وتؤمن برؤية انقاذ لبنان الحضاري، وهي أبعد من أن تدعم مرشحاً، وتعتبر أن الخيار يعود للشعب اللبناني وللنواب في انتخاب الرئيس”.
وفيما تعتبر أوساط سياسية أن الخارج يهتم بإخراج لبنان من مأزقه أكثر من بعض القوى في الداخل، لا بد من التساؤل: ما أهمية التحرك الفاتيكاني بالنسبة الى القضية اللبنانية؟ وما هي النتائج المتوقعة؟ وهل يمكن أن يسهم اللقاء بين الرئيس الفرنسي والبابا في حلحلة ما؟
أوضحت مصادر مطلعة على ديبلوماسية الكرسي الرسولي أن “دولة الفاتيكان تعمل ديبلوماسياً منذ بداية الأزمة اللبنانية، ويتمحورعملها حول 4 محاور: أولاً، ضرورة انتظام الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية انطلاقاً من اتفاق الطائف أي يبلغ الفاتيكان قادة العالم رسالة بعدم تعديل النظام في لبنان بل بضرورة تطبيق اتفاق الطائف. ثانياً، الفاتيكان يطالب بإلتزام لبنان بالقرارات الدولية وقرارات جامعة الدول العربية خصوصاً في ما يتعلق بسيادة لبنان وتحييده عن الصراعات الاقليمية والدولية. ثالثاً، أهمية ارتباط الاصلاحات البنيوية والقطاعية التي ستنفذ بالخير العام بمعنى أن الكرسي الرسولي يطلق المواجهة مع المنظومة السياسية. رابعاً، إفهام اللجنة الخماسية والمجتمع الدولي والعالم العربي أن لبنان هو حالة حضارية في المنطقة والعالم يجب الحفاظ عليه خصوصاً من خلال الحرية والتعددية والعيش معاً. أربع مسلمات ستعيد حاضرة الفاتيكان التأكيد عليها في اللقاء مع اللجنة الخماسية الذي قد يكون أوسع أو يضم فاعليات غير ممثلي الخماسية، ما يكرّس عمل الفاتيكان في الملف اللبناني انطلاقاً من قناعته بأن هناك خطراً كيانياً وخطراً على هوية لبنان ليس بسبب اللاجئين إن كان فلسطينيين أو سوريين وحسب، بل من باب الخطر الايديولوجي الشمولي الذي تشكله ايران على لبنان من خلال حزب الله”.
وكشفت المصادر المطلعة أن “دولة الفاتيكان ستطرح خريطة طريق، تتمحور حول ضرورة الاتفاق على خريطة إنقاذ واضحة المعالم، بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية سيادي، اصلاحي يمكن أن يجمع اللبنانيين حوله. وحاضرة الفاتيكان لا تتموضع في المربع الرمادي كما لا تقوم بالتسويات والمقايضات على حساب الدستور والسيادة، وعلى حساب ديبلوماسية تحييد لبنان عن الصراعات، ما يعني أنها لا تؤيد شخصاً يقوم بتسويات على الطريقة اللبنانية انما تريد رئيساً يعمل وفق المصلحة اللبنانية، انطلاقاً من خيارات واضحة، لكن يمكن أن يجمع اللبنانيين حوله”.
وقالت: “ليس صدفة أن تعقد اللجنة الخماسية الاجتماع في نيويورك بالتزامن مع الاجتماع في الفاتيكان حيث أن السفير السابق للكرسي الرسولي في لبنان المونسنيور غابرييل كاتشيا الذي هو اليوم السفير البابوي لدى الأمم المتّحدة، يضع على رأس جدول أولوياته لبنان، ويتولّى مهمّة دقيقة للدّفع باتّجاه إبقائه أولويّة في مجلس الأمن، وإنقاذه بناء على الدستور. كما تتزامن هذه الاجتماعات مع اللقاء في مرسيليا حول الهجرة التي باتت مرتبطة باللجوء على ضفتي البحر المتوسط اذ من الواضح أن هناك خلافاً جوهرياً بين الديبلوماسية الفاتيكانية والديبلوماسية الفرنسية حول لبنان، وسيبلّغ البابا الرئيس ماكرون كما تشير المعلومات أن الفاتيكان ليس في وارد المقايضة في لبنان، وتسليمه مقابل المصالح الفرنسية، على قاعدة أن حلف الأقليات في المنطقة الذي دعمته فرنسا وكانت جزءاً منه بناء على مصالحها، يجب أن ينتهي لأنه خطر على كل الشرق الأوسط وعلى أوروبا نفسها وليس على لبنان وحسب، بما يعني أن التطبيع مع ايران ليس خياراً فاتيكانياً بأي شكل من الاشكال. وهنا لا بد من العودة الى الوراء حين تم توقيف المطران موسى الحاج على الحدود اذ ان ذلك كان جزءاً من رسالة ايرانية الى الفاتيكان بسبب استشعارها أن لا قبول لخيارها في لبنان ولا قبول لخيارات أخرى فالمطلوب الخيار اللبناني أولاً وأخيراً”.