معادلة العدّ والأحجام
سارع الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله إلى ترسيخ مقولة الموفد الفرنسي جان إيف لو دريان بأنّ لبنان السياسي زال وانتهى، أما لبنان الجغرافي فلا يتجاوز كونه مستعمرة من مستعمرات المحور الإيراني. ومع كثافة الموفدين من عواصم القرار إلى هذه المستعمرة، رفع نصر الله سقف التهديد لثقته باستحواذ محوره الممانع على البلد وسيادته وقراراته، وتحديداً قرار الحرب والسلم، حتى يفهم الأغبياء أنّه المفاوض الفعلي الوحيد.
وبالطبع، هو لم يتوقف عند نسفه الميثاق والدستور والطائف، كيف لا؟ وهو يعتبر أنّ أغلبية الشعب اللبناني معه في جرّ لبنان إلى حرب مفتوحة على كل الاحتمالات التدميرية، مؤكداً «أننا أكبر قاعدة شعبية في لبنان وأكبر حزب في لبنان ولم نتحدث بهذا المنطق»، بالتالي «ليس صحيحاً أنّ رفض جبهة الاسناد لغزة هو من أغلبية الشعب اللبناني».
وحتى يقرن «الشرعية الشعبية لمحوره الممانع» بالأدلة، وضع معادلة «إمّا أن نرجع للعدّ، وإما كل واحد يعرف حجمه ويتكلم عمّن يمثل وبما يمثل».
بالتالي، من لا تعجبهم المعادلة ومن كان تمثيلهم رثاً كحضورهم السياسي، يمكنهم أن «يفلوا»، وأبواب الهجرة مفتوحة لهم، لا سيما أنّ الدول الغربية حاضرة لاحتضانهم حتى تقطع سيل المدّ الإسلامي إليها، كما هو الإيحاء الحالي. وقطعاً لن يتوانى المحور وأذرعه عن تذكير من يجب أن يصمتوا أو يفلوا، بأنهم سيخسرون قطعاً في معادلة العدّ والأحجام والأرقام، لأنّهم من «الأقلية المسيحية»، ومن الذين ينادون بالفدرالية والمتململين من إلغاء «المسلمين» لدورهم كشركاء في الوطن، ومن المتضررين الذين يكررون في كل مناسبة وعلى كل منبر بأنهم لا يريدون العيش تحت سطوة الآخر المستقوي عليهم بعدته وعديده وثقافته المغايرة لثقافتهم، والمستفيد من هذا الاستقواء، والطارح فكرة الاستفتاء التي تشكل خروجاً عن الدستور والطائف عند كل استحقاق يستطيع أن يشله ليفرض ما يريده لنا محوره.
وخطر هذه المعادلة أنها لن تقتصر على المتضررين من الأقليات، أو على المتوتّرين والخائفين من الآخر، وانما سوف تنسحب على كل من يتجرأ ويفتح باب الاعتراض، أو حتى النقاش المنطقي والرافض امتداد النفوذ الإيراني، من خلال العمل المدروس لإلغاء الحدود من العراق إلى سوريا إلى لبنان.
فنصر الله بمعادلته هذه يشطب حيثية وجود لبنان كوطن وكيان مستقل، ويحذر من يحاول الدفاع عن هذا الوجود، ومن يسعى للبحث عن سبل تحول دون الإطاحة بأسس الوفاق الوطني والعيش المشترك الذي يضمنه اتفاق الطائف والدستور معاً.
ويخطئ من يحسب أنّ طرح المحور الممانع بلسان نصر الله لهذه المعادلة يعكس الإرباك، على العكس تماماً، هو تكرس مبدأ القمع، لأنّ لا حاجة لرأس المحور وأذرعه إلى التشويش والمشوشين، وتحديداً في هذه المرحلة الحساسة والرجراجة والحرجة وتطوراتها، وبعد عملية «طوفان الأقصى»، «التي جاءت في اللحظة المناسبة، للالتفاف على المشروع الأميركي الغربي لتغيير المعادلات» كما أوضح المرشد الأعلى علي خامنئي.
والمفارقة أنّ الأصوات التي واجهت معادلة «إمّا أن نرجع للعدّ، وإما كل واحد يعرف حجمه ويتكلم عمّن يمثل وبما يمثل»، بقيت محدودة وخجولة، وأكثر من ذلك، كان فيها محاولة تجاهل لما تتضمنه من نسف للدستور والطائف والمناصفة التي أصبحت ميثاقاً يساهم في تغليب مبدأ الانتماء إلى الوطن وليس إلى الطائفة، وكأنّ غياب الردود المناسبة لحجم ما قيل مرده إلى إقرار بعقدة نقص ودونية تجاه رأس المحور الذي يعتبر أنّ لبنان الجغرافي مستعمرة من مستعمراته. لذا يمكن العد فيها بمعزل عن المواطنة التي أضحت لزوم ما لا يلزم.