أهمّية البيان الوزاري
قيل
بالعودة إلى أحكام الدستور، لم يكُنْ قبل العام 1990 يتضمّن أي بند يفرض على الحكومة الجديدة التقدُّم من مجلس النواب ببيان وزاري، ضمن مهلة مُعيّنة لِنَيل الثِقة. وذلك كَون الدستور وعند صياغته عام 1926 لم يَكُن يَنصّ على المسؤولية الجماعية للحكومة، إنّما على المسؤولية الفردية للوزراء.
وبمُقتضى المادة 34 من القانون الدستوري تاريخ 17-10-1927 عُدّلت المادة 66 من الدستور، إذ نصّت وللمرّة الأولى على المسؤولية الجماعية للحكومة. وهذا النّص تمّ أخذه عن المادة السادسة من دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية تاريخ 25-02-1875 وهذا يُشكّل رُكناً من أركان النّظام البرلماني.
والمسؤولية الجماعية (La responsabilité collective) المقصود بها المسؤولية التضامنية كهيئة جماعية.
وعلى الرغم من التعديل الدستوري عام 1927 لم يفرض الدستور على الحكومة المثول أمام المجلس النيابي لِنَيل الثِقة.
واستناداً إلى ذلك، كان بإمكان الحكومة مُباشرة أعمالها فَور صدور مرسوم تأليفها، قبل مثولها أمام المجلس النيابي. حيث كانت الحكومات وفَور تشكيلها تُعتبر حكومات كاملة الصلاحيات.
وإثباتاً لذلك، بتاريخ 25-04-1973 تألّفت حكومة الرئيس أمين الحافظ في عهد الرئيس فرنجيّة. حيث اتّخذت هذه الحكومة قرارات مهمّة من دون أن تَمثُل أمام مجلس النواب على الإطلاق. فأعلنت حال الطوارئ بتاريخ 07-05-1973 إثر الاشتباكات التي وقعت بين الجيش اللبناني والمُنظّمات الفلسطينية. ثمّ أَلغَت حال الطوارئ في 24 من الشهر نفسه. وبقيت هذه الحكومة تُصدر القرارات حتى تاريخ استقالتها في 14-06-1973. حيث صرّفت الأعمال حتى تاريخ تشكيل حكومة الرئيس تقي الدّين الصُلح بتاريخ 08-07-1973.
وبتاريخ 21-09-1990، صار إسقاط التعديلات الدستورية والتي أُقرّت في الطائف على أحكام الدستور. ففرض التعديل بصورةٍ صريحة على الحكومة الجديدة وجوب الاستحصال على ثِقة المجلس النيابي، بناءً على بيان وزاري، لتتمكّن من ممارسة صلاحياتها أصولاً. حيث نصّت الفقرة الثانية من أحكام المادة 64 من الدستور على ذلك.
مع التأكيد، أنه وبعد تعديلات عام 1990 أصبحت الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب وحده، تستمدّ منه شرعيّتها واستمرارها في الحكم. ولم تعُد مسؤولة تجاه رئيس الدولة وتجاه مجلس النواب أيضاً، كما كان الأمر عليه قبل الطائف.
وبالخُلاصة، باتت الحكومة مُلزَمة بتقديم بيانها الوزاري إلى المجلس النيابي قبل ممارسة مهامها، ضمن مهلة محدّدة، عملاً بتعديلات الطائف.
من الثابت، أن البيان الوزاري للحكومة هو بمثابة خطّة عمل لأي حكومة جديدة تُشكَّل. يتم تقديمها إلى المجلس النيابي لِنَيل الثِقة على أساسه.
والبيان الوزاري المُنتظَر من الحكومة المُشكّلة حديثاً، يجب أن يرتكن إلى خطاب القَسَم والذي ألقاه رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب. حيث يقتضي أن تكون أهمّ عناوينه تطبيق القرارات الدولية لا سيما القرارات 1701 و1559 و1680 بكافة مُندرجاتها. وحصر السلاح بيَد الشرعية، وتطبيق ما تبقّى من وثيقة الوفاق الوطني، وإنجاز الانتخابات البلدية والنيابية في مواعيدها، ومُعالجة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، واسترداد أموال المودعين. وأهمّ ما يقتضي أن يتضمّن البيان وحدانية "الدولة" كَون الجيش هو من مؤسسات الدولة، والشعب يُمارس سلطته عبر المؤسسات الدستورية. بالتالي، لا داعيَ لأي ثُنائية أم ثُلاثية لا من قريب أم بعيد على الإطلاق.
العِبرة ليس للبيان الوزاري، العِبرة هي للإصلاحات المُنتظرة، هي للقرارات التنفيذية تطبيقاً لهذا البيان.
فأمام هذه الحكومة استحقاقات كبيرة. فلا يقتضي التردُّد في مواجهتها. والشعب اللبناني لن يرحم ولن يُسامح تجاه أي تقصير أم مُهادنة.
أمّا أنتُم يا مَن تولّيتُم المسؤولية، نُناشدكم وبإصرار بضرورة المواجهة ولا تستسلموا للضغوط التي يُمكِن أن تُمارَس عليكم، حتى " لا تبكوا كالنساء ملكاً لم تُدافعوا عنه كالرجال". كما قالت "عائشة" والدة آخر ملوك الأندلُس لابنها إثر سقوط "غرناطة" بِيَد الملك "فرناندو".