الميثاقية (2)

النوع: 

 

نصّت الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور، أن لا شرعية لأي سُلطة تُناقض ميثاق العيش المُشترك.

ومصدر هذه الفقرة، كلام يعود إلى الرئيس حسين الحسيني حين زيارته الفاتيكان عام 1985 ولقائه قداسة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني، قال هذا الكلام تأكيدًا على العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين وليس بين المذاهب والطوائف.

وحين إدخال التعديلات على الدستور في الطائف عام 1989 تمّ تبنّي هذا الكلام بحرفيّته، وأُسقِط في مقدّمة الدستور، وبات جزءًا لا يتجزّأ منه.

فما المقصود بهذا العنوان؟

ليس المقصود حُكمًا الحِفاظ على الميثاقية في التشكيل، لأنّ المادتين 24 و95 راعتا هذا الأمر. فالمادة 24 من الدستور فرضت المُناصفة في تشكيل مجلس النواب، والنسبية في تمثيل المذاهب. كذكل المادة 95 من الدستور، فرضت تمثيل الطوائف بطريقةٍ عادلة حين تشكيل الحكومات. وليس المقصود حتّى حضور الوزراء أم تغيُّبهم لجلسات مجلس الوزراء، لأنّ المادة 65 من الدستور راعت بدورها هذا الموضوع، فنّصت على نِصاب الثلثين حضورًا وتصويتًا في الأمور المصيرية.

وبالتالي، الكلام عن أنّ تغيُّب أم انسحاب وزراء مذهب أم طائفة من أي جلسة حكومية يُفقِد ميثاقيّة هذه الجلسة، هو كلام عارٍ عن الصحّة، ويفتقد إلى الدستورية.

ولمعرفة المقصود بالقول أن لا شرعية لأي سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك، تكفي العودة إلى تفسير العلاّمة الدكتور إدمون ربّاط في كتابه "مُقدّمة الدستور اللبناني" (الصفحتان 81 و/82) بقوله إنّ المقصود بأن لا شرعية تُناقض ميثاق العيش المُشترك، أنّه " تُعتبر أي سلطة غير شرعية، إذا تصرّف مَن يَشغلها بصورةٍ طائفية".

مما يُفيد، أنّ التذرُّع اليوم أن الحكومة اتّخذت قرارها بِنَزع السلاح في جلسةٍ غير ميثاقية...كذا.... لا يستقيم مع الدستور. لأن ميثاقية تشكيل الحكومة كانت متوافرة. كذلك ميثاقية اتّخاذ القرار (بأكثرية تفوق الثلثين) كانت بدورها متوافرة. أمّا الموقف السياسي الذي اتّخذه هذا الفريق بانسحابه من الجلسة، فهذا قِمّة العمل الديمقراطي والمؤسساتي.

واستطرادًا، وبحال سلّمنا جدلاً، أنّ هناك خللًا ميثاقياً تخلّل الجلسة، بانسحاب مكوّن منها...كذا.... .

فهل يُمكِن التذرُّع بافتقاد الميثاقية لتعطيل الحياة العامة؟

فهل يُمكن التذرُّع بافتقاد الميثاقية لتعطيل الحكومة؟

فهل يُمكن التذرُّع بافتقاد الميثاقية عن طريق احتكار طائفة ومُصادرة قرارها؟

وللإجابة على هذه الأسئلة، يقتضي علينا العودة إلى دراسة دستورية، للبروفيسور الدكتور حسّان رِفعت بالمُشاركة مع العلاّمة الدكتور أنطوان مسرّة، منشورة في صحيفة "النّهار" بتاريخ 11/10/2016. حيث جاء فيها ما حرفيّته:

" ... هل يجوز إثارة ذرائع الميثاقية وعدم الميثاقية، مِن قِبَل مَن يتّخذ مواقف تنطوي على فرض قرارات ومواقف على الآخرين، دون مُراعاة الديمقراطية، ديمقراطية الإعتراف بخيارات الآخرين، وبنظام المجتمع الديموقراطي؟...".

حيث خلُصت الدراسة، إلى ضرورة اعتماد حُسن النيّة والاستقامة في الممارسة السياسية. وعدم إثارة الغرائز وتشويه المفاهيم الدستورية الواضحة والجليّة.

وفي حال سلّمنا جدلًا بصحّة نظرية أنّ الانسحاب من أي جلسة حكومية لِمُكوّن في الحكومة، يعني أنّ الجلسة لم تعُد ميثاقية، فكيف نسمح لأقلّية أن تفرض خياراتها على الأكثرية؟ وكيف نسمح لأقلّية أن تُصادر مجلس الوزراء بفرض قراراتها على بقيّة المكوّنات، تحت طائلة التهديد بالانسحاب وإفقاد الميثاقية؟

وبكلّ الأحوال، لا يُمكن أن يتذرّع بالميثاقية مَن يُخرِج نفسه عن الإجماع الوطني. إنّما يبقى لِمَن يُصار إلى إخراجه تعسُّفًا عن هذا الإجماع، وتقصُّدًا لاستبعاده، أن يُثير الميثاقية ويتمسّك بها، ويتذرّع بتخطّيها.

في الختام، التذرُّع بافتقاد الميثاقية لمحاولة نَسف قرارات الحكومة لا يستقيم. والفعل الأجدى هو الرضوخ لقرارات صدرت عن حكومة ميثاقية بتشكيلها وممارستها. والأهّم هي مصلحة الوطن وحماية أبنائه، والتعويل دائمًا على الحكومة الراهنة وعلى قراراتها الشُجاعة. وعلى جيشنا الباسل. حمى الله لبنان.

الكاتب: 
سعيد مالك
المصدر: 
التاريخ: 
الأربعاء, أغسطس 20, 2025
ملخص: 
مما يُفيد، أنّ التذرُّع اليوم أن الحكومة اتّخذت قرارها بِنَزع السلاح في جلسةٍ غير ميثاقية...كذا.... لا يستقيم مع الدستور. لأن ميثاقية تشكيل الحكومة كانت متوافرة. كذلك ميثاقية اتّخاذ القرار (بأكثرية تفوق الثلثين) كانت بدورها متوافرة.