ما نفذ من "الطائف".. وما لم ينفذ

النوع: 

تعرض اتفاق الطائف للانتهاك مذ لحظة صوغ نصوصه الأولى. كان النواب يتفقون على شيء بين الأروقة المغلقة، أما خارجها، فكان هناك من يتولى "الصوغ" بتعديل النصوص في ضوء ما يشتهي أو يمثل من أهل الداخل والخارج.

صار الطائف دستوراً. طبقت بنود وأهملت أو استبعدت أخرى لأسباب مرتبطة بمصالح الطبقة السياسية وحماتها الإقليميين، والأدهى من ذلك أن بعض ما نفذ جاء مخالفا لنص الوثيقة الأساسية وروحيتها، مثل المجلس الدستوري الذي جرد من صلاحياته في مراقبة الدستور وتفسيره خلافا لوثيقة الطائف.

اليوم، وبعد ربع قرن على إقرار هذه الوثيقة، يردد البعض أن الطائف لم ينتج حلولا جذرية لأزمات النظام السياسي اللبناني، بل فاقمها بسبب سوء التطبيق أو تحريف بعض بنوده أو إساءة فهم البعض الآخر أو إغفال مفاصل أساسية فيه، من دون إهمال الظروف الداخلية والخارجية التي أنتجت الطائف وهي تغيرت إلى حد كبير.

ثمة هوة كبيرة بين النصوص وبين التطبيق، وثمة تجاهل متعمد للقضايا الجوهرية كإصلاح قانون الانتخاب وإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية والانماء المتوازن وتنظيم المؤسسات الأمنية.

أما ابرز الإصلاحات التي اتفق عليها المؤتمرون والتي وجدت طريقها الى التنفيذ، فقد تمثلت بالآتي:

ـ ثبت الطائف نهائية الكيان وأنهى صراعا رافق لبنان منذ تأسيسه، بين تيار عروبي يعتبره اختراعا استعماريا، وبين تيار ينفي أي صلة للبنان بالعروبة، مؤكدا ان "لبنان عربي الهوية والانتماء"، وهي المرة الأولى التي يقر فيها لبنان بإجماع ابنائه انتماءه العربي.

ـ ثبت الطائف المناصفة والمشاركة في الحكم بين جميع الطوائف، وقلص صلاحيات رئاسة الجمهورية لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً ورئيس مجلس الوزراء الذي أصبح شريكاً أساسياً في الحكم، وتوقيعه أساسي في جميع المراسيم، ما خلا مرسوم تسميته رئيساً للحكومة أو استقالته أو اعتبار الحكومة مستقيلة. كما حرم الطائف رئيس الجمهورية من حق حلّ مجلس النواب وقيَّده بمهلٍ زمنية لنشر وتوقيع القوانين والمراسيم، في حين لا توجد مثل هذه القيود على رئيس الحكومة ولا على سائر الوزراء.

ـ منع الطائف إصدار القوانين إذا لم تعرض على الهيئة العامة لمجلس النواب، كما منع إعطاء صلاحيات استثنائية للحكومة لإصدار مراسيم اشتراعية، وجعل من ولاية رئيس المجلس أربع سنوات بدلا من سنة واحدة. وحدد الطائف حصرا الحالات التي يمكن للسلطة الإجرائية فيها طلب حل المجلس: عدم الاجتماع، رد الموازنة والإصرار على تعديل الدستور.

ـ أصبح رئيس الحكومة شريكاً أساسياً في الحكم واختياره لهذا المنصب لم يعد نتيجة إرادة ومشيئة رئيس الجمهورية، بل يتم اختياره من قبل النواب (الاستشارات النيابية الملزمة) وهذا ما أعطاه قوة، فضلا عن ان توقيعه أضحى أساسيا في كل المراسيم ما خلا تسميته أو استقالته. أما أهم الصلاحيات التي منحها الطائف له فهي تقرير مصير الحكومة، فاستقالته تعني حكما استقالتها مما يعني انه الرئيس الفعلي للحكومة.

غير أن هذه الإصلاحات لم تسر على جميع بنود الطائف التي طبق بعضها بشكل مغاير تماما لنص الوثيقة، ان لم تكن مناقضة له وهي:

- زيادة أعضاء مجلس النواب الى 128 نائبا، بعد أن نصت الوثيقة على 108 نواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. أي بزيادة 20 نائباً، بينهم 10 نواب مسيحيين تم توزيع مقاعدهم بحيث يسهل لـ"المحدلات" أن تنتخبهم لمصلحة وضع اليد على مقاعد نواب مسيحيين في مناطق يسهل التحكم بناخبيها لأسباب طائفية أو سياسية.

- الانتقاص من صلاحية المجلس الدستوري، فالوثيقة نصت على إنشاء مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين وبت النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية، ولكنه حرم لاحقا من حقه في تفسير الدستور، كما تم إسقاط العبارة التي تخوله التحرك عفوا من تلقاء نفسه، فأصبح محكوما بالطعن النيابي الذي يخضع عادة لاعتبارات سياسية.

- ترك القانون الانتخابي جرحا مفتوحا برغم انه يعتبر المفتاح لمعظم الأزمات السياسية.

- تجاهل قضية تنظيم المؤسسات الأمنية، الأمر الذي ينعكس على فعالية وإنتاجية هذه المؤسسات وبالتالي على الأمن والاستقرار.

 

- العجز عن مقاربة مشكلة السلاح الفلسطيني، الأمر الذي يتعارض مع البند القاضي بحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.

- عدم حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً.

- إخضاع الإعلام للمحاصصة بدل تنظيمه كما أقرته الوثيقة.

بالمقابل، فإن هناك عددا من البنود التي كان يمكن ان يشكل تطبيقها مدخلا حقيقيا لإصلاح مكامن الخلل في النظام السياسي اللبناني، غير أنها بقيت حبرا على ورق، ومن هذه البنود الجوهرية:

- اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً. فالطبقة السياسية اختزلت الانماء المتوازن بتركيز الاقتصاد في بيروت.

- إعادة النظر بالتقسيم الإداري في لبنان الذي يؤمّن في المبدأ الانصهار الوطني ويضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسّسات. ولهذا طالب الاتفاق بالإبقاء على سلطة مركزية قوية مع توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين واعتماد اللامركزية الادارية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى.

-عدم تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، فحتى يومنا هذا لم يتم تشكيل هذه الهيئة، فضلا عن أن الطائفية تتحكم بمفاصل الحياة في لبنان.

4. إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي، باستثناء وظائف الفئة الأولى وما يعادلها، على أن تكون هذه الوظائف مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة.

- إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره وإصلاح الجامعة اللبنانية، فضلا عن معضلة كتابي التربية الوطنية والتاريخ.

-استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.

وبالرغم من هذا الخلل، بادرت السلطات السياسية الى تنفيذ بعض البنود، التي يمكن أن تصنف في خانة الشكليات ومنها:

- إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في العام 1995، وتم تعيين أعضائه بموجب المرسوم رقم 2012 في 30 كانون الأول 1999 غير ان هذا المجلس لم يتمكن من القيام بأي دور على الصعيد المحدَّد له، كما أنه معطل حالياً إذ انتهت ولاية أعضائه ولم يتم تعيين خلفٍ لهم.

- إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية وقد بدأ العمل بهذا الاجراء في العام 1997.

- انتخاب عدد معين من أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل الجسم القضائي، تدعيماً لاستقلال القضاء.

-سن قانون خاص بأصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

الكاتب: 
علي دربج
التاريخ: 
الجمعة, أكتوبر 24, 2014
ملخص: 
يردد البعض أن الطائف لم ينتج حلولا جذرية لأزمات النظام السياسي اللبناني، بل فاقمها بسبب سوء التطبيق أو تحريف بعض بنوده أو إساءة فهم البعض الآخر أو إغفال مفاصل أساسية فيه، من دون إهمال الظروف الداخلية والخارجية التي أنتجت الطائف وهي تغيرت إلى حد كبير.