لبنان: نعيم لا يرى مسوغاً لأكثر من أمانة عامة لمجلس الوزراء والرفاعي يهاجم «الكركوزية والتدجيل في الدستور
سواء كانت لاقتراح نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس فصل الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء عن المديرية العامة لرئاسة الحكومة، دوافع وخلفيات ام لا فإن السجال الحاصل حوله يظهر مدى الحاجة الى التطبيق الكامل والامين لوثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ «اتفاق الطائف» التي نفذت منها بنود كما يجب ونفذت بنود اخرى مجزوءة او مشوهة، فيما بنود لم تنفذ بعد على رغم مرور عشرة اعوام ونيف على اقرار هذه الوثيقة التاريخية وترجمتها نصوصاً دستورية.
والواقع ان جميع الذين علّقوا على اقتراح فارس غلب على تعليقاتهم الطابع السياسي، وبعضهم ذهب به الامر الى حد توجيه انتقادات شخصية الى الرجل واتهامه بالانطلاق من دوافع وخلفيات طائفية وسياسية معينة وصولاً الى الطعن بقانونية منصب نائب رئيس الحكومة من باب القول ان الدستور لا ينص عليه. واذا كان فارس اوضح ان اقتراحه لا يستهدف اشخاصاً بل «تصويب الاداء الحكومي وتحسينه ليس الا» فإنه في المقابل فتح او يكاد ان يفتح مجدداً ملف دور مجلس الوزراء وصلاحياته وهيكليته الادارية كمؤسسة مستقلة اناط بها «اتفاق الطائف» السلطة التنفيذية التي كانت قبلا في يد رئيس الجمهورية ويعاونه فيها وزراء يختار من بينهم رئيساً. وهذه الاستقلالية تكرست بأحداث المقر الخاص لمجلس الوزراء. وهذا المقر يفترض ان يداوم فيه جهاز اداري يشرف عليه الامين العام لمجلس الوزراء لا يكون هو نفسه المدير العام لرئاسة الحكومة الذي ينبغي ان يداوم في السراي الحكومي اي مقر رئاسة الحكومة.
إلا ان التفسيرات القانونية لهذا الموضوع متنوعة ومتباينة فبعضها يرى ان لا خير من ان يكون الامين العام لمجلس الوزراء هو نفسه المدير العام لرئاسة الحكومة كما هي الحال اليوم، فيما يرى البعض الآخر عكس ذلك، اي الفصل بين المنصبين. وقد لفت فارس في الاسباب الموجبة لاقتراحه الى ان المرسوم الاشتراعي الرقم 43 تاريخ 26/1/1953 نص على الآتي:
- المادة الاولى: «يعاون رئيس مجلس الوزراء في الاعمال الموكولة الى مقام الرئاسة مدير عام مسؤول عن سير وتنفيذ هذه الاعمال».
- المادة الثانية: «يكون المدير العام بحكم وظيفته امين عام مجلس الوزراء». واشار الى انه بعد «اتفاق الطائف» الذي كرّس نصوصاً دستورية، صارت السلطة الاجرائية مناطة بمجلس الوزراء وصار المجلس «يجتمع دورياً في مقر خاص» حسبما تنص المادة 65 من الدستور. وفي هذه الحال فإن الدستور، في رأي فارس «جعل مجلس الوزراء سلطة قائمة بذاتها وغير خاضعة لا لرئيس الجمهورية ولا لرئيس مجلس الوزراء. وتنفيذاً وتأكيداً لذلك جعل للمجلس مقراً خارج القصر الجمهوري وخارج القصر الحكومي وان استمرار مدير عام رئاسة مجلس الوزراء في موقعه كأمين عام لمجلس الوزراء امر يتنافى والهدف من التعديلات التي طرأت على الدستور وبالتالي من انشاء مقر خاص للمجلس».
وفي هذا المجال، قال الخبير القانوني والدستوري اللبناني الدكتور ادمون نعيم لـ «الشرق الأوسط» ان «مجلس الوزراء مع رئيسه يشكل جسماً واحداً، وان كان لرئيس مجلس الوزراء بعض الاختصاصات الجانبية. ولذلك ينبغي ان تكون لهذا المجلس امانة عامة واحدة ولا داعي لوجود اثنتين، اي الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء والمديرية العامة لرئاسة الحكومة».
واضاف نعيم: «ان رئيس الجمهورية ليس عضواً ملازماً لمجلس الوزراء، فهو يحضر جلسات المجلس ويرأسها عندما يشاء من دون ان يصوّت على القرارات التي تتخذ فيها. ولذلك نص عليه الدستور على انه هيئة مستقلة. ولذلك فإن الاجراء العملي لمعالجة ما نحن في صدده هو ان تكون لمجلس الوزراء ولرئاسة الحكومة امانة عامة واحدة لا هيئتان تحدثان اشكالات كما كان يحصل عندما كان هناك وزارة خارجية ووزارة مغتربين قبل ان تدمجا في وزارة واحدة».
غير ان لدى النائب السابق والخبير القانوني والدستوري الدكتور حسن الرفاعي رأياً آخر، اذ قال لـ «الشرق الأوسط»: «لا لزوم للبحث في هذا الموضوع، فما نحن في صدد الحديث عنه امر احدثه الرئيس (السابق لمجلس النواب) حسين الحسيني هادفاً منه الى اضعاف رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء لمصلحة رئاسة مجلس النواب». وانتقد الرفاعي ما سماه «المفهوم الخاطئ» الذي يقول ان رئيس الجمهورية لم يعد رئيساً للسلطة التنفيذية». وقال: «ان رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية بدليل ان اي مرسوم لا يوقع ولا يصدر اذا لم يحمل توقيعه. واذا لم يكن رئيس الجمهورية من السلطة التنفيذية فماذا تكون صفته، خصوصاً انه يترأس اجتماعاتها؟».
وافاد الرفاعي: «ان رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء هي واحدة. والسلطة التنفيذية كانت في السابق وهي اليوم في يد مجلس الوزراء، على رغم انه كان هناك مادة في الدستور قبل اتفاق الطائف تقول ان رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية وهو يتولاها بمعاونة وزراء. وفي دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية هناك نص شبيه بهذا النص. ولكن منذ تلك الجمهورية صارت السلطة التنفيذية في فرنسا مناطة عرفاً بمجلس الوزراء ومن ضمنه رئيس الجمهورية. واكثر من ذلك فإني اقول ان السلطة التنفيذية في لبنان كانت في يد مجلس الوزراء من العام 1926 ايام الانتداب الفرنسي، الى العام 1943 حيث نال لبنان استقلاله عن هذا الانتداب».
ورداً على سؤال عن أن الفصل بين هاتين الوظيفتين امر يفرضه المقر الخاص المحدث لمجلس الوزراء، قال الرفاعي: «ان المقر الخاص لمجلس الوزراء هو بدعة اخترعوها للانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة». واضاف: «دلوني على بلد في العالم نظامه جمهوري ديمقراطي برلماني لا يجتمع مجلس وزرائه في مقر رئاسة الجمهورية. (...) ان هذه سياسة كركوزية وهذا تدجيل في علم الدستور. فليخرجوا منها، فرئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية ورئيس الحكومة هو رئيس مجلس الوزراء».