أخطر مواجهة وجودية يقودها الرئيس عون في تاريخ لبنان السياسيّ

النوع: 

 

اللعبة السياسية اللبنانيّة أمست مشدودة إلى ثلاثة عناوين تتحكّم بالملفّ اللبنانيّ:

-العنوان الأوّل: مكافحة الفساد.

-العنوان الثاني: عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.

-العنوان الثالث: العقوبات المشدّدة على حزب الله.

قبل تفنيد العناوين بالغوص في معانيها وأبعادها ومشاتلها، لا بدّ من إبداء ملاحظتين أساسيتين بل جوهريتين، وهي أنّ لبنان بتلك العناوين لا يزال هدفًا كساحة. والصراع الاستراتيجيّ هو بين مفهومين متواجهين:

-المفهوم الأوّل: عنوانه قيام دولة تقوى بسلطة تنفيذيّة بريئة من المآثم والخطايا الفاجرة الممزّقة للبنان، يتبنّاه فخامة رئيس الجمهورية اللبنانيّة العماد ميشال عون يؤازره التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله وقوى أخرى.

-المفهوم الثاني: عنوانه استبقاء لبنان بماهياته السابقة كساحة ومختبر، برموز استفادت من تلك الماهيات المبعثرة آكلةً من خيراته، ومتجليّة من أرحام شاءتها مغروسة ومتشرّشة في التراب اللبنانيّ، فتلوثّه بآثامها وارتكاباتها ومؤامراتها، وقد تحوّلت إلى تجمّع متشدّد متملّك ببنية الدولة وإن ظهرت بالشكل دولةً، وهي التي تمنع من استكمال عملية البناء التي يقودها رئيس الجمهوريّة.

بمعنى أوضح، أنّ الصراع هو بين طائف واقعيّ، هيمن على لبنان بفعل الاتفاق آنذاك أي سنة 1989-1990 بين أميركا والسعودية وسوريا، فكانت الرموز مزروعة وفقًا لهذا الاتفاق، فتصاعدت أفعالها لتقبض على النظام السياسيّ وتتقاسمه بخيراته فيما بينها. وعلى  الرغم من التمزّق العنيف بين العناصر الخارجيّة المؤسّسة لهذا الاتفاق منذ سنة 2005، لكنّ عناصره الداخليّة ظلّت ممسكة بمفاصل السلطة السياسيّة، مستفيدة من استهلاك السعودية للبنان التي جعلت منه منذ سنة 2005 مدى لصراع بينها وبين أميركا المؤسِّسة الأولى لطائف حوى مفهوم الفوضى الخلاّقة المرتبطة ببناء شرق أوسط جديد مع إسرائيل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإيران من جهة ثانية الرافضة في الأصل لموجوديّة إسرائيل، والداعمة للقضية الفلسطينية، ليتوسّع الصراع بعد تمهيد على الأرض اللبنانيّ باتجاه سوريا بصورة افصح سنة 2011، وبين الطائف-الكتاب بنصوصه التي غدت دستور لبنان، وإن طالب فريق من اللبنانيين ببعض التعديلات فيه. فالطائف-الكتاب، وهو الذي تبنّاه الرئيس عون يحتاج لبعض الإصلاحات التي تمنح القدرة لرئاسة الجمهورية على الحكم وليس مجرّد الرعاية، والتي بدورها تضع حدًّا ومهلةً لفوضى تأليف الحكومات بضبط المهل حتى لا تستهلك بالفجوات والثغرات وتصير مدى لتسلل قوى ترى في التفلّت مدى للعب بالملفات والهيمنة عليها وشلّ سلطة الدولة وإبطالها.

من هنا، إنّ العناوين الثلاثة بتداعياتها واصطفافها تشكّل في المرحلة الحالية ثقلاً كبيرًا مهيمنًا على النقاش السياسيّ اللبنانيّ بقوّة وحدّة. ولا بدّ من الإشارة بأن استبقاء الفساد على حاله وعدم استكمال عودة النازحين السوريين إلى أرضهم ضمن مفهوم العودة الآمنة، والتشدّد بالعقوبات على حزب الله ثلاث أسسس تصبّ في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى. ذلك أنّها تريد بقاء لبنان فاسدًا متمرّغًا بتلك الحمأة القبيحة والوسخة عنوة وكرهًا، فبياض لبنان يأبى التلوّث والفساد، وجماله لا بدّ وأن يطيح بالقباحة. وهي أي إسرائيل مع الأميركيين والحلفاء يعملون جاهدين وبقوّة على استبقاء النازحين السوريين في لبنان كورقة ضغط قويّة على إمكانية نشوء التسوية في سوريا، أو إمكانية الانقلاب على التسوية السوريّة وإحداث خرق فيها، وبعضهم رأى بأنها ورقة ضغط لقبول لبنان وسوريا والأردن باستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم من القدس والضفة الغربيّة لتوطينهم في المناطق الرابطة ما بين شبعا ومزارع شبعا والجولان وصولاً إلى نهر الأردن فضلاً عن توطين القاطنين في المخيمات... ولكي يسهل هذا بفترض بالدول المعنية كأميركا وبريطانيا وبعض من أوروبا، التشدّد بالعقوبات على حزب الله، من أجل شلّ قدرة حراكه "وتمدّده وهيمنته" (مصطلحان أميركيّ-إسرائيليّ).

يقود رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون وإلى جانبه التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله معركة شرسة، بوجه من يتبنون داخليًّا تلك العناوين. وقد أوضحت بعض المصادر بأنّ تصريح رئيس الحكومة وهو خارج من عند الرئيس كان مريبًا وهو بدوره مزج ما بين الارتباك والحزم عمدًا في مسألة النازحين السوريين وحضوره مؤتمر بروكسيل. وقد طرحت المصادر ما يلي:

-هل الرئيس الحريري خرج عن جوهر الاتفاق بينه وبين رئيس الجمهوريّة، وقد انساب الاتفاق داخل بيان مجلس الوزراء بمفهوم العودة الآمنة وليس الطوعيّة كما طالب المجتمع الدوليّ ورفض مفهوم الاندماج بالتأكيد على مفهوم العودة؟

-لماذا الرئيس الحريري اصطحب معه الوزير أكرم شهيّب المنتمي إلى حزب سياسيّ متشدّد في استبقاء النازحين السوريين في لبنان، ولم يصطحب الوزير المختص وهو صالح الغريب، معتبرًا بأنّه لا يريد إرباكًا سياسيًّا في بروكسيل، ومشدّدًا بقوله: "أنا رئيس حكومة لبنان وأنا من يتكلم في هذا الملفّ".

وفي السياق عينه أوضحت أوساط سياسية متابعة، بأنّ زيارة ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، أشعلت الرؤى السياسية بوجه مكافحة الفساد وعودة النازحين وهيمنة حزب الله باستجماع عدد من القوى السياسيّة لتصطف من جديد حولها وتتحرك في فلكها. وقد تمّ التعبير جهارًا عن ذلك بأنّ المسّ بأية شخصية قد يؤول إلى مجموعة خطوط حمراء فيما الوضوح ظهر وسطع جليًّا في مؤتمر مدير عام وزارة المال آلان بيفاني بإظهاره الكشوفات على ماهيتها لاسيّما في مسألة الهبات الممنوحة للبنان، وعدم وضعها باسم الدولة اللبنانية. وأخذ التعبير دوره بلقاء طرابلس ليلة امس، الذي وإن تحرّك في الفلك الانتخابيّ، إلا أنّه أظهر إمكانية تخطّي المسألة الانتخابيّة بتموضع سياسيّ جديد ضمن الطائفة الستيّة الكريمة منطلقًا من أبعاد تلك المصالحة بين الرئيس سعد الحريري والوزير السابق اللواء أشرف ريفي برعاية الرئيس فؤاد السنيورة وحضور الوزير السابق رشيد درباس، للإمساك بتلك العناوين وصيانتها طائفيًّا ومذهبيًّا بخطاب تعبويّ قد يقود غلى مزيد الضغوطات التي في النهاية باتت مكشوفة على رئيس الجمهورية والسائرين معه في هذا الخطّ.

وبالعودة إلى خطاب السيد حسن نصرالله، لقد ظهر على غاية في الوضوح في تفسيره للعبة المستبدة في المنطقة المتفجرة وحركة انسيابيتها في العناوين اللبنانية. فالحرب على الفساد والفاسدين أخلاقية وروحية كالحرب على إسرائيل وعلى الإرهاب التكفيريّ ولا تراجع عنها. وعودة النازحين إلى سوريا ليس مجرد خيار بل هو قرار. المجتمع الدوليّ يعمل على استبقائهم في لبنان، ومنع التواصل اللبنانيّ-السوريّ المباشر بغية عودتهم آمنين كرامًا إلى بلادهم، فيما لبنان يفترض به ان يصرّ على التواصل مع سوريا بقوّة من أجل تامين عودتهم، وعدم الرضوخ للإغراءات المالي ضمن مؤتمرات مانحة قد يكون ثمنها توطين الفلسطينيين والنازحين السوريين بترسيخ مفهوم الاندماج. الصراع وبتوصيف ادقّ وجوديّ بالكامل، عنوانه التالي: إمّا نستعيد لبنان الدولة والكيان بحلّ جذريّ لأزمته الكيانيّة بداءته مكافحة الفساد وإعادة اللاجئين إلى بلدانهم فلا يبقى لبنان وطن نزوح ولجوء، وطن طوائف متنافرة تحرّكها قوى خارجية، وتولد لنا دولة حقيقية ترعى مواطنيها بالحق والكرامة، أو أن لبنان آيل إلى نهاية مأساوية، وهذا ما سيواجهه العماد ميشال عون. فالصخور الشامخة والجبال الشمّاء الصامدة وحدها قادرة على مواجهة الرياح العاتية وإعادة الاعتبار لدولة التغيير والإصلاح، وإظهار ان لبنان جمهورية قويّة لشعب يستحق الحياة. 

الكاتب: 
جورج عبيد
التاريخ: 
الأربعاء, مارس 13, 2019
ملخص: 
الصراع هو بين طائف واقعيّ، هيمن على لبنان بفعل الاتفاق آنذاك أي سنة 1989-1990 بين أميركا والسعودية وسوريا، فكانت الرموز مزروعة وفقًا لهذا الاتفاق، فتصاعدت أفعالها لتقبض على النظام السياسيّ وتتقاسمه بخيراته فيما بينها.