الطائف مستهدف .. لبنان في خطر

النوع: 

 

اتفاق الطائف الذي أقر قبل قرابة ثلاثين عاماً ( خريف عام 1989) في مدينة الطائف السعودية ووضع حدّاً للحرب الأهلية المشؤومة، يبدو أنه اليوم يعيش حالة من الاستهداف من أكثر من طرف وجهة بهدف إسقاطه وتغييره وتغييبه أو بالحد الأدنى تعديله لصالح غلبة طرف على آخر.

لقد أدخل الاتفاق بعض التعديلات على الدستور بما يرسي مزيداً من التوازن بين المكوّنات اللبنانية، وبما يعيد الثقة بالدولة والمؤسسات. كما تكمن أهميته في كونه قد أرسى نوعاً من الاستقرار على أكثر من مستوى، والأهم أنه حوّل الصراع في البلد من صراع عسكري دموي، إلى صراع سياسي مختلف. ولعلّ الجانب الأهم والأبرز في الاتفاق أنه أنهى الحرب، وأعاد فتح المناطق اللبنانية، التي كانت مقفلة، على بعضها، ووضع خطة لإعادة كل مهجر، وأعاد الحياة السياسية إلى المجلس النيابي، وإن كان قد شاب هذ الاتفاق بعض القصور، أو أن أجزاء منه لم تجد طريقها للتطبيق الكامل لأكثر من سبب ليس محل ذكره الآن.

الطائف اليوم مستهدف تارة في محاولة لإلغائه، وتارة لتهميشه وتفريغه من محتواه عبر تكريس أعراف جديدة، وتارة عبر تجاوز الصلاحيات التي أناطها بمؤسسات النظام عبر تفسيرات خاطئة. وهذا الاستهداف يشكّل خطراً محدقاً بالاتفاق، وبالبلد، وينذر بانزلاق الأمور نحو الفوضى والحرب في أية لحظة.

الحقيقة أن بعض الأطراف الداخلية في البلد ممن رفض اتفاق الطائف، أو ممن أخفى موقفه الحقيقي منه، تتطلع إلى اللحظة التي تعتبرها مؤاتية من أجل إحداث التغيير اللازم الذي يريحها، أو بالأحرى يلبّي تطلعاتها وطموحاتها غير آبهة بحقوق الشركاء الآخرين، أو بتطلعاتهم وطموحاتهم أيضاً، ولذلك فإن هذه الأطراف تحاول كل مرّة إما العمل من أجل تكريس أعراف جديدة وتقديمها كجزء من تفسير الوثيقة (الطائف)، وإما إشاعة أجواء عن ضرورة البحث في وثيقة وطنية جديدة تلبّي الحاجات الجديدة للساحة الوطنية. وفي كلتا الحالتين يكون الهدف هو الانقضاض على "الطائف" لصالح وثيقة جديدة أو دستور جديد يعكس الأحجام المستجدة في البلد بفعل التدخلات والتقلبات الدولية والإقليمية، وبعيداً عن أي توازن داخلي بين الشركاء المكوّنين للبلد.

إلاّ أن خطورة هذا الطرح أنه يعيد إنتاج الأزمة، بل الحرب، في لبنان، أو بالحد الأدنى الشعور بالغبن لدى مكوّنات أساسية، وهو ما سيرسي قاعدة جديدة تقوم على مبدأ وأساس الانقلاب الدائم على النظام ومؤسساته كلما شعر أي طرف أو مكوّن بفائض قوة أو بضعف الأطراف الأخرى، وهذا ما يُفقد البلد الاستقرار وتالياً الاستثمار مع ما يعنيه ذلك من تدهور على المستويات كافة.

إن خطورة مقاربة أي تعديل أو تطوير للطائف في أجواء غير مؤاتية وغير مريحة تجعل من إمكانية انفلات الأمور وارداً وممكناً، وبالتالي خطِراً على البلد، فكيف إذا كانت نوايا البعض تشير إلى محاولات لنسفه من أساسه بغية تأسيس نظام جديد قائم على الغلبة؟! إن ذلك سيكون الفتنة بعينها، وفتيل الحرب عن عمد أو عن غير عمد، ولبنان ومكوّناته بغنى عن ذلك، ومن هنا يجب أن تتعزّز الثقة والقناعة بحاجتنا إلى "الطائف" كحاجتنا إلى تطويره في ظل ظروف تسهم في تحقيق الغاية من التطوير، وإلى ذلك الحين حفظ الله لبنان من كل شر، لأن استهداف الطائف يعني أن لبنان في خطر، خطر العودة إلى أجواء الحرب المشؤومة التي بدأت شعوب المنطقة تغادرها شيئاً فشيئاً

الكاتب: 
وائل نجم
المصدر: 
التاريخ: 
الخميس, أغسطس 8, 2019
ملخص: 
الطائف اليوم مستهدف تارة في محاولة لإلغائه، وتارة لتهميشه وتفريغه من محتواه عبر تكريس أعراف جديدة، وتارة عبر تجاوز الصلاحيات التي أناطها بمؤسسات النظام عبر تفسيرات خاطئة. وهذا الاستهداف يشكّل خطراً محدقاً بالاتفاق، وبالبلد، وينذر بانزلاق الأمور نحو الفوضى