17 تشرين: إسقاط المنظومة أولاً

النوع: 

 

أمام اللبنانيين مهمّة شاقة في استعادة نبض الشارع، وما بدأ في 17 تشرين واستمرّ بعدها، ليدخل السبات مع فيروس كورونا وإجراءاته. يوم 6/6، محطة أساسية وقد تكون مصيرية في ثورة 17 تشرين. السبت الأول بعد انفكاك حظر كورونا، اختبار فعلي للناس والشارع المجموعات. وحدة لقياس استمرار زخم المطالبة بإسقاط السلطة ورموزها وفسادها، واستعادة المال المنهوب وكسر مصادرة المؤسسات لصالح قيادات وأحزاب وطوائف.

مهدّت لهذا النهار سلسلة تحرّكات واعتصامات حصلت في الأسبوعين الماضيين، باتجاه قصر العدل والمحكمة العسكرية، وقصر بعبدا الرئاسي، ومقرّ إقامة رئيس مجلس النواب، ومنازل عدد من النواب. ولا يزال التحضير له قائم في اجتماعات وخلوات واتصالات بين مختلف الأحزاب والمجموعات المنضوية في الثورة. منها ما يحسب بالسياسة والتحالفات والانتخابات، ومنها المتمسّك بأوتوبيا متحجّرة، ومعهما أيضاً من استعاد عناوين سياسية أساسية.

سلاح حزب الله

عاد الأسبوع الماضي إلى التداول ملف "سلاح حزب الله" وتنفيذ القرارات الدولية في شأنه. ملف أساسي، عنوان لا يضاهيه آخر في مقاربة بناء الدولة واستقلاليتها وعملها، ومكافحة الفساد فيها. منذ 17 تشرين، تم تحييد هذا العنوان. تأجّل طرحه، ولو أنّ الجميع يعرف أنه في لحظة مصيرية، قريبة كانت أو بعيدة، سيطفو إلى الواجهة. والتعامل مع سلاح الحزب، من باب التأجيل أو الرضوخ، شكل من أشكال التدريب على التعامل معه كما تفعل أحزاب السلطة وقياداتها منذ 2005. اتّفقوا على أن يصمت الجميع، وإن تحدثوا فيأتي الكلام على طاولة حوار لا غالب ولا مغلوب عليها. ولا سلطة تقريرية لها، ولا حتى استشارية. فقط حوار للقول إنّ ثمة نقاشاً دائر في البلد. حوار، لا يخدم إلا الحزب وسلاحه، يأتي مكمّلاً للغطاء التي منحته إياه حكومات التوافق وما فيها من مشروعية وشرعية.

قيصر وإخوانه

يضاف إلى ملف السلاح، يجثم على أعناق اللبنانيين اليوم "مشروع قيصر". يوضح ذلك أنّ إعادة طرح سلاح الحزب أو حتى المعابر الحدودية لم يأت من خيال أو رغبة، إنما تماشياً مع موقف دولي وتمهيداً له. لحظة مصيرية لمشهد ضخم، من المفترض أنه موجّه ضد حزب الله وسيدفع اللبنانيون جميعاً ثمنه. وإلى جانب قيصر، قانون آخر يطال الحزب وحلفاءه في لبنان، من سياسيين ورجال أعمال ومقاولين. يضاف إلى قوانين وقرارات سابقة بالعقوبات من باب المصارف وإقفال المؤسسات التابعة أو المقرّبة من الحزب. المطلوب وضع حزب الله أمام مسؤولياته. الأمر الذي سبق لأمين عام الحزب، حسن نصر الله، أن استبقه في خطابه ما قبل الأخير بقول ما معناه إنّ "ثمة أكثر من خيارين، الموت جوعاً أو الرضوخ والاستسلام". ثمة أبواب في طهران تُطرق كل يوم، وأخرى في بغداد، علّ بديلاً يوجد ضمان استمرار الاقتصاد ومواجهة عقوبات قيصر وإخوانه.

كرامة مغشوشة وحرية مزيّفة

نجد أنفسنا كلبنانيين أمام هذا المشهد الدولي والإقليمي الكبير. سلاح حزب الله في ظهرنا، وعقوبات أميركا في صدرنا، ونحن في الوسط عالقون. نحمل أحلام بناء دولة واقتصاد ومطالب استعادة ما سرق، لا لشيء إلا لأنّ مللنا الذل والزبائنية والطائفية والمضي في معادلات مفروضة بين طهران والرياض، أو دمشق وتل أبيب. يتعامل معنا الجميع كرهائن. مهدّدون بسلاح الميليشيات وعقوبات الجوع معاً. إن لم نمت من هذا، يجلدنا ذاك، والعكس. كرامة وعزّة مغشوشتان من جهة، حرية وديموقراطية مزيّفتان من جهة أخرى. وليس أمامنا سوى المضي في ما بدأناه في 17 تشرين، وإلا فالهجرة أو العزلة. خياران ليس فيهما إلا انكسار وتسليم، وجهان لعملة موت واحد.

ورقة ومشروع

أمام هذا المشهد وغيره، ليس أمام اللبنانيين سوى الاستمرار في انتفاضتهم وثورتهم. يبدو رفع شعار انتخابات نيابية ضرباً من الجنون، معطوفاً على سذاجة سياسية موصوفة. انتخابات وفق أي قانون؟ بإدارة من؟ وفق أي تحالفات؟ وبأي أموال؟ في وجه من؟ ومع من؟ تخبّط أحزاب ومجموعات وناشطي وناشطات 17 تشرين أكثر من طبيعي. منطقي ومطلوب، إلا أنه تخبّط طال وبات ينتشر. سرطان داخلي من نوع جديد قد يجهز على الحركة برمّتها. الخروج منه يستوجب وضع ورقة سياسية وإنقاذية واضحة. فإنّ كان مجلس النواب فقد شرعيته بالنسبة للشارع اللبناني، يصبح من العناوين الأساسية المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية وحكومة الدمى السياسية. المنظومة وتركيبتها لم تعد تنفعان. تجرّان البلاد والعباد إلى الهلاك. ولا شعار سياسي يضاهي هذين الشعارين. والتأكيد على إسقاط المنظومة لا مفرّ منه ولا مهرب. وتصبح المطالبة بتشكيل حكومة بصلاحيات استثنائية تشرف على إعداد القوانين اللازمة والإشراف على الانتخابات. حكومة يتوّلاها أعضاء من نادي القضاة في لبنان ونقابة المحامين وغيرهما، أو يشرفون عليها. فلتجارب حركة القضاة وهيئاتهم نتائج واضحة في العديد من الدول، منها تجربة "الأيدي النظيفة" في إيطاليا وتجربة القاضي نوغروهو في إندونيسيا. التطهير من باب القضاء، بعد التأكيد بسقوط المنظومة وتركيبتها. وكل هذا في ظلّ غولين متربّصان للقضاء على ما تبقى من حياة لدى اللبنانيين.

الكاتب: 
نادر فوز
المصدر: 
التاريخ: 
الأربعاء, يونيو 3, 2020
ملخص: 
يجثم على أعناق اللبنانيين اليوم "مشروع قيصر". يوضح ذلك أنّ إعادة طرح سلاح الحزب أو حتى المعابر الحدودية لم يأت من خيال أو رغبة، إنما تماشياً مع موقف دولي وتمهيداً له. لحظة مصيرية لمشهد ضخم، من المفترض أنه موجّه ضد حزب الله وسيدفع اللبنانيون جميعاً ثمنه