هل الحزب بالقوة الكافية لكي يحكم لبنان؟
الجواب على هذا العنوان السؤال الذي يثيره سياسيون من زاوية تعاظم سيطرة “حزب الله” والمخاوف من تغيير وجه لبنان كنظام ليبرالي حر يفيد وفق هؤلاء بان لا. اي ان ايران بواسطة الحزب لن تتمكن من ذلك استنادا الى جملة عوامل واعتبارات تبدأ مما يجري في العراق على نحو لا يناسب ايران ومصالحها تماما وصولا الى سوريا حيث تعيد حساباتها بناء على التطورات المتصلة بالانخفاض الهائل في سعر النفط والعقوبات الاقتصادية وتداعيات تفشي وباء كورونا فلبنان اخيرا. ذلك ان احدا لا ينكر ان لايران نفوذا وامتدادات قوية في هذه الدول لكن بحسب هؤلاء السياسيين فان سيطرة الحزب على الواقع السياسي في لبنان لن يكون مناسبا له بعدما اصبح المرجعية في ادارة الامور سلبا او ايجابا. والمثال الابرز على ذلك هو ما ستكون عليه نتيجة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي لا يواجه ” شروطا ” مع لبنان استبق الحزب وضعها على الطاولة بل مسؤوليته ازاء عدم تلبية اي شرط وتداعياته على لبنان. فالحزب الذي يخشى شروطا ” سياسية” تطاول وضعه وعمق سيطرته ونفوذه على لبنان سيجد نفسه ملزما بتأمين بدائل لن تكون متوافرة ازاء رفضه لا سيما وان التقديرات للخطة للحصول على مليارات من صندوق النقد كما من مؤتمر سيدر تراجعت الى النصف تقريبا، وهذا قبل ان تبدأ المفاوضات الجدية مع الصندوق. وهو الامر الذي ينسحب على سبيل المثال على ” تغطيته” عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية وفق ما اوحى حليفه رئيس التيار العوني سيما وانه بات معلنا وواضحا ان التهريب اكان للمحروقات او للعملات الصعبة او الطحين هو الذي افقد المصرف المركزي احتياطاته وليس عمليات المصرف. ولم يسجل نواب الحزب اي مشاركة في مناقشات لجنة المال والموازنة للخطة الاقتصادية التي قدمت فيها اوراق تكشف حجم الفارق في التقديرات بين خطة الحكومة التي وضع عليها الجميع ملاحظات جوهرية عليها وارقام المصرف المركزي. اذ اعطيت ثلاثة امثلة على الاخطاء في احتساب الخسائر من خلال ازدواجية جمع الخسائر نفسها اكثر من مرة وثانيا في الخطأ في اعتبار نقص السيولة خسارة من دون اعتبار الملاءة وثالثا من خلال الخطأ في احتساب وفر الدولة خسارة للقطاع المصرفي. وكل هذا فيما محض الحزب عبر امينه العام الدعم للخطة ما يعني انه يتحمل مسؤوليتها بدوره في اقرارها كما في نتائجها.وحين يتحدث رئيس الحكومة عن” انجازات” في المئة اليوم الاولى من عمر حكومته، كان يبشر عبر مقال في الواشنطن بوست ان لبنان امام مواجهة ازمة غذائية قريبا فيما ان اهل الضاحية كانوا يشعلون الاطارات رفضا للتقنين الكهربائي القاسي وكذلك في طرابلس ومناطق اخرى واقتحام منتفضين وزارة الطاقة. وكل ذلك على وقع اداء متكرر لم يقدم جديدا حتى الان على صعيد هذا الملف الذي كان يجب ان يكون الانجاز الاول للحكومة لكي تكسب الثقة و” دهشة” اللبنانيين.وهذه كلها تفاصيل صغيرة انما تشكل مؤشرات كافية الى انه حتى مع حاجة الحزب الى غطاء مسيحي على اكثر من مستوى، فانه هو في واجهة المسؤولية حتى لو كانت خلفية من يقول ذلك يعطي للحزب الكثير على وقع انه يعطي حلفاؤه بالتكتيك وفي تفاصيل الحسابات الصغيرة والصفقات لكي ينال بالاستراتيجيا. الا ان هذه المنظومة السلطوية ككل باتت مسؤولة عن الانهيار راهنا وتبعاته على رغم رمي المسؤولية على الحكومات المتعاقبة. وحين قدم الامين العام للحزب مطالعته حول النظام السوري وتمتعه بالسيطرة الكافية على بلاده فانما كان كمن يرش سكر على الموت على حد تعبير احد الوزراء السابقين الظرفاء. فهناك قلق ضمني غير خاف لدى الحزب وفق ما يقول عارفوه سيما وان حظره من المانيا اخيرا بما هو معروف عنها بلدا لوساطات بين اسرائيل والحزب يعد مؤشرا الى توسع المحور الدولي الذي يضيق عليه حتى لو ان اهل السلطة استندوا الى تمايز لفظي لعدم اعطاء الحظر ابعادا كبيرة.
قد يكون تفشي الكورونا اعطى للحكومة اعذارا ازاء المزيد من الانهيار الحاصل لكن تداعي الاقتصادات في العالم والوضع المزري للبنان في الاصل يفرض مقاربات مختلفة وجوهرية سياسية وليست اقتصادية ومالية فقط. وهذا يحذر منه الحزب لكونه بمثابة الهروب الى الامام تماما كما في رفضه مبدأ الاستعانة بصندوق النقد في الاصل. ففي يد الحزب اوراق يستطيع ان يخرجها من جعبته لمساعدة لبنان اكان الوضع بامر جوهري ولكن غير معقد كالمعابر غير الشرعية وصولا الى ترسيم الحدود البحرية بما يسمح باستكشاف البلوك 9 و10 مثلا وامكان الاستفادة منهما على رغم الوضع التنافسي الصعب راهنا لذلك وربما الحصول على مساعدات اكبر من الصندوق بدفع اميركي.
يعتبر السياسيون المعنيون ان الحزب وايران من ورائه وحتى النظام السوري الذي يظهر مدى تغلغله في استنزاف لبنان عبر الحزب وحلفائه في السلطة قد يكونا يملكان مخططا ضمنيا للسيطرة على لبنان لكن ثمة تمايزا كبيرا بين الرغبة والقدرة في الوصول الى ذلك. لا ينفي كثر ان احد ابرز العوامل التي ترفع من مستوى الخشية من امعان الحزب في ممارسة سيطرته ونفوذه هو عامل عدم الثقة الضمني كذلك بالبراغماتية الاميركية التي يخشى في ظلها ولدى حصول اي مفاوضات بين الولايات المتحدة وايران مجددا ان يدفع لبنان الثمن. يروي احد السفراء الاميركيين السابقين في لبنان انه وعلى مدى اعوام من شغل منصبه في بيروت كان السؤال الابرز الذي يوجه اليه اذا كانت الولايات المتحدة يمكن ان تبيع لبنان مجددا لسوريا على خلفية النار التي اكتووا بها نتيجة لذلك قبل اندلاع الثورة فيها. لكن ثمة من يرى في الاستثمار الكبير لواشنطن في الجيش اللبناني عاملا اساسيا ومهما يخفف من هذه المخاوف على اقل تقدير.