بيروت أوبزرفر عن جريدة النهار
لا يمر يوم تقريبا، من دون أن تكون لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مواجهة سياسية التي صارت حاليا محصورة بحقليّ رماية هما : رئاسة الحكومة و”القوات اللبنانية.” ويمكن للمرء ان يعود الى الوراء قدر ما يشاء بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، ليجد ان باسيل مشتبكا سواء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أو مع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع. فهل هناك من هدف واضح لسلوك رئيس “التيار” الذي هو في الوقت نفسه حزب العهد؟
لتعطيلِ التغييرِ الحقيقيِّ وعلى مَرْأى من الشعبِ، تُمرِّرُ القوى السياسيّةُ ال#لبنانيّةُ الوقتَ الجاري بتسوياتٍ صغيرةٍ، أقَلُّ ما يُقال فيها إنّها خلافُ المألوفِ والدستور. سَلَّمَ بها الحاكِمون والمعارِضون، بتبريراتٍ مختلفةٍ، ريثما تَنقشِعُ الاستحقاقاتُ الداخليّةُ والتسوياتُ الإقليميّة. منهم من يَنتظرُ الانتخاباتِ النيابيّةَ، ومنهم من يَقفِزُ مباشَرةً إلى الانتخاباتِ الرئاسيّة، ومنهم من يَتوقّعُ إرجاءَ الاستحقاقَين، ومنهم من يَترقّبُ حَدثًا جَللًا تَلْهَجُ به المنتدياتُ وتَتعطّشُ إليه بعدما سُدَّت طرقُ الإنقاذِ الداخليّ.
قبل صدور البيان الأخير لرؤساء الحكومة السابقين، وفي أعقاب اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، كان الوضع السياسي والدستوري في البلاد مثيراً للقلق.
قلّة قليلة من المعلّقين لمّحت إلى الأبعاد البعيدة لهذا الحدث وإلى معانيه ومفاعيله، ليس على الدستور فحسب بل على المعادلات الطائفية الحسّاسة في السلطة. إن تمكّن رئيس الجمهورية، بتصلّبه وعناده، من “تطفيش” رئيس الحكومة المكلّف ومنعه من إنجاز مهمّته يعني انقلاباً على قاعدة دستورية أساسية من قواعد اتّفاق الطائف.
يجتازُ لبنانُ أزمةً وجوديّةً بموازاةِ أزَماتِه المتعدِّدةِ تَستدعي أن نقاومَها ونَهزِمَها لئلّا يَتفكّكَ المجتمعُ اللبنانُّي ذاتيًّا من دون حاجةٍ إلى قرارٍ سياسيّ. صار لهذه الأزمةِ الوجوديّةِ ديناميّةٌ خاصّةٌ بها، ومسارٌ نفسانيٌّ مستقلٌ عن مسارِ الأزَمات الأخرى. اللبنانيّون ليسوا سعداءَ في حياتِهم. اِسْأَلُوا وجوهَهُم ووجومَهُم. اِسْأَلُوا عيونَهم ونظراتِهم. اِسْأَلُوا صَمتَهم وتهيبّوا غضبَهم. أفْقَدوهم مشيئةَ الحياةِ ليُحبِطوا إرادةَ الثورة، إذ لا ثورةَ من دونِ قابليّةِ الحياة. حتّى أنَّ الاستشهادَ هو دفاعٌ عن الحياة.
لم تعد القصة قصة اتفاق الرئيس ميشال عون، والرئيس المكلف سعد الحريري، على اعجوبة تشكيل حكومة تلبي رغبات بعبدا. القصة صارت قصة معجزة جمع الرجلين في غرفة واحدة من دون ان ينفجر المكان او البلد، ففي النهاية هناك حدود لابتلاع المواقف الجارحة وحتى المهينة، التي توجهها بعبدا ومَن يقف وراءها دائماً الى الحريري، وهناك أيضاً جرح لن يُختم بعدما رفض الحريري أي لقاء مع جبران باسيل!
الصفحات