“المفاجأة” التي يعدّها باسيل قبل 31 تشرين الأول؟
لا يمر يوم تقريبا، من دون أن تكون لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مواجهة سياسية التي صارت حاليا محصورة بحقليّ رماية هما : رئاسة الحكومة و”القوات اللبنانية.” ويمكن للمرء ان يعود الى الوراء قدر ما يشاء بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أيار الماضي، ليجد ان باسيل مشتبكا سواء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أو مع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع. فهل هناك من هدف واضح لسلوك رئيس “التيار” الذي هو في الوقت نفسه حزب العهد؟
الإشارة التي وردت حلا لانتخابات النيابية الأخيرة، تحمل دلالة لما قبلها، وتحديدا الإفطار العلني الذي أقامه الأمين العام ل”حزب الله” السيد نصرالله في شهر رمضان الماضي والذي سبق بفترة قصيرة الانتخابات. في ذلك الإفطار، الذي ما زالت أوساط إعلامية قريبة من الحزب تعود اليه الى يومنا هذا ، جمع نصرالله الى مائدته النائب باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية. وكان الهدف المعلن للقاء هو إعادة الحرارة الى العلاقات بين الحليفيّن المسيحيين الرئيسيين للحزب عشية الانتخابات كي يجري تحسين ميزان القوى للفريق الذي يتزعمه الحزب. أما الهدف المضمر، فكان ترتيب الأجواء بين باسيل وفرنجية قبل بلوغ إستحقاق الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها حليفا الحزب . وما يهم الأوساط الإعلامية المشار اليها هو القول، ان “حزب الله” ليس في وارد تقديم ضمانات لزعيم “التيار الوطني الحر” بشأن الانتخابات الرئاسية على رغم وجاهة الحجة التي يعتمدها الأخير بشأن حجم المرشحين لمنصب الرئاسة الأولى،وبالتالي فإن باسيل يحتل المرتبة الأولى على القائمة التي تضم المرشحين الذين يتحالفون مع نصرالله. أما السبب لعدم تقديم الحزب ضمانات لباسيل، بحسب هذه الأوساط، فهو ان نصرالله، قد قال مباشرة بعدما حسم أمر العماد ميشال عون كمرشح للحزب عام 2016، أن الفضل يعود لوصول عون الى مرتبة الأكثر تفضيلا في السباق الرئاسي، يعود الى فرنجية الذي إنسحب من السباق على رغم ما كان يتمتع به من تأييد في ذلك الوقت من اطراف داخلية عدة وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ، ورئيس تيار “المسقبل” سعد الحريري وغيرهما.
من هنا، ادرك باسيل، منذ الإفطار الرمضاني، ان عليه بنفسه تخطي الصعوبات التي تعترضه في الاستحقاق الرئاسي.ولهذا إنطلق ولا يزال الى تمهيد الطريق امام طموحه الرئاسي من خلال إجتراح إشتباكات لا تتوقف كي يمنح لنفسه “مشروعية” الدفاع عن مصالح المسيحيين ، فكان ان فتح جبهة الاشتباك مع الرئيس ميقاتي الذي لن يمنح وريث الرئيس عون ما ناله الأخير قبل ثمانية أعوام، عندما كان يجري تأليف آخر حكومات عهد الرئيس ميشال سليمان،فجاءت حكومة برئاسة تمام سلام لكي تتسلم زمام المسؤولية طوال فترة الشغور الرئاسي حتى خريف عام 2016. في تلك الحكومة كان الهدف الأول للتيار العوني هو وصول مرشحه الى قصر بعبدا. وها هو اليوم يحاول التيار تكرار تلك التجربة التي تجد مقاومة قوية من الرئيس ميقاتي مدعوما من الرئيس بري وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جبلاط،دون ان ننسى “القوات اللبنانية” وما باتت تمثله بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.
أما الجبهة التي فتحها باسيل مع جعجع، فهي تدور رحاها حول ما يريد الأول تصويره كمعركة “الحفاظ على حقوق المسيحيين.” وعلى ما يبدو ان سلاح التيار العوني في هذه المعركة هو في أضعف مراحله نتيجة ما أظهرته الانتخابات النيابية من نتائج، وكذلك إرتباط هذا التيار الوثيق ب”حزبالله” وما يثيره هذا الارتباط من إشكالية التحالف مع مشروع تقوده إيران في المنطقة ،وهو مشروع اخذ لبنان عام 2006 الى حرب مدمرة مع إسرائيل عام 2006، ويهدد بأخذ هذا البلد الى حرب جديدة مع الدولة العبرية.
ان قراءة متأنية لعظة الاحد الأخيرة التي القاها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، تكشف ان المرجعية المسيحية الأبرز تدرك ان لبنان على شفا مهوار شبيه بما عرفه لبنان عندما كان رئيس الجمهورية الحالي رئيسا للحكومةالعسكرية عام 1988. في تلك الفترة إستطاع العماد عون أن يعطل مسار الحل السياسي كيي جري إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق للاليات الدستورية وليس وفقا للاليات الانقلابية التي حسم امرها بالعنف عام 1991 . من هنا أهمية ما ورد في هذه العظة من قول:” من المعيب حقا أنه منذ سنة 1988 أمسى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان عادة، كأن المعطلين يسعون إلى إيهام اللبنانيين بأن الرئاسة الاولى منصب شرف لا ضرورة مطلقة له، فالدولة تسير بوجود رئيس أو بدونه. فهل هي المرحلة النهائية في مخطط تغييرالنظام والانقلاب على الطائف وإسقاط الدولة؟”
هل ما قاله البطريرك هو تحذير من “مخطط” يأخذ لبنان نحو أسوأ مراحل ازماته عبر تاريخه القديم والحديث على السواء؟
فعلا،انه تحذير خطير جدا. فوفق معلومات أوساط قريبة من فريق الممانعة المتحالف مع “حزب الله” ان التيار العوني يعد ل”مفاجأة” قبل ان يحين موعد مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا في 31 تشرينالأول المقبل، تاريخ إنتهاء ولايته، تقوم على جمع اكبر حشد ممكن في ساحة القصر تحت شعار بقاء الرئيس المنتهية ولايته الدستورية ولكن المستمرة ولايته”شعبيا” نتيجة الفراغ في السلطة التنفيذية حيث لا حكومة تتمتع بكامل الصلاحيات، والتي لا تملكها حاليا حكومة تصريف الاعمال، كي تملآ الشغور في حال مغادرة عون القصر الرئاسي.
انها لن تكون مفاجأة فحسب، وإنما هي كارثة وصفها البطريرك الراعي مليا في عظته الأخيرة.