هكذا يفرض «حزب الله» باسيل..رئيساً على اللبنانيين!

النوع: 

 

بالرغم من تقديري أن الوضع متّجه نحو الحرب في الإقليم (إيران وإمتداداتها في المنطقة هي الطرف الرئيسي فيها)، خلال فترة زمنية لا تتعدى السنة (يمكن الإطلاع على مقال لي نشرته في موقع جنوبية وعلى صفحتي فيسبوك بتاريخ 14/11/2021)، لا يمكننا المعرفة بدقة، ماذا سيكون عليه الوضع، بتاريخ الإنتخابات النيابية والرئاسية. فإذا حافظ حزب الله على مستوى قوّته الحالية، قبل وخلال مرحلة الإنتخابات، نتيجة للنقطة التي يكون قد وصل إليها مسار الأوضاع في المنطقة، فلا شك أن مفتاح هذه الإنتخابات يكون بيده، ولا شك أنه يخطط منذ الآن لكافة الإحتمالات. وبما أنّه الأقوى عسكرياً وأمنياً ويهيمن على الدولة بكافة مؤسساتها، (بالرغم من محاولات قلة في بعض مؤسسات الدولة المتداعية من “المقاومة”)، مباشرة أو عبر مكونات الطبقة السياسية، المارقة الخاضعة له عن قناعة، أو عن مصلحة أو عن جُبن أو عن حسابات خاطئة.

وبما أن المكوّن العسكري-الأمني، هو الرئيسي بإمتياز في تحديد أي موازين قوى، فالقرار السياسي لن يكون إلّا في يده حصراً، ما يفقد باقي “الزعماء” صفتهم كلاعبين، ويحوّلهم إلى متلاعب بهم. وليس تناقضاتهم فيما بينهم، أو بعض التناقضات الشكلية في المواقف، التي قد تنشأ بين “الحزب” و”حلفائه”، فهي لا تعدو إلا تعبيراً عن الهامش، الذي يسمح هو به لهذا الطرف أو ذاك، مراعاة للموقع الرسمي لهذا الطرف أو ذاك، أو للحفاظ على ماء وجهه تجاه جمهوره وفي طائفته. الكلام عن تناقض الرئيس عون مع حزب الله لا يستقيم، ولا الكلام عن أن الحزب لم يحسم أمره، بدعم باسيل ليخلف الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية. فالمصلحة لدى عون والسيد حسن نصر الله، تقضي بأن لا يظّهر جبران باسيل كمرشح حزب الله دولياُ وإقليمياً ومحلياً، وإن كان قد أدرك البعض في الجهة المقابلة حقيقة الأمر.

ويعتقد البعض أن العقوبات الأميركية، تحول دون وصول باسيل إلى قصر بعبدا وأن الحزب يدرك هذا الأمر، مما يحرج الحزب في تبنيه باسيل. هؤلاء واهمون و”يصّفرون بين القبور” ويحمّلون أميركا وحلفاءها، نوايا جدّية في هذه المرحلة في مواجهة الجمهورية الإسلامية، ويعتقدون أن العقوبات على دول وكيانات مارقة، هي فعلاً رادعة لها. غير أن التجارب تدل على العكس تماماً، وقد رأينا مثلاً، كيف أن العقوبات القصوى “الترمبية” على إيران، لن تفي بالمطلوب (تغيير النظام أو سلوكه)، كما فعّلت تمدده في الإقليم وأنتجت مزيداً من التخصيب النووي. ونرى اليوم، كيف أن أميركا وحلفاءها الأوروبيين، يلهثون وراء الإتفاق مع إيران التي يرأسها إبراهيم رئيسي، الواقع تحت أقصى العقوبات الأميركية، كونه إرتكب جرائم ضد الإنسانية. فالعقوبات وحقوق الإنسان باتت لدى هذا الغرب أدوات غير فعّالة، يستخدمونها ويتخلون عنها غب الطلب.

وثمة من يعتقد أن باسيل بات مكروهاً لدى معظم اللبنانيين، وباتت ورقته محروقة شعبياً، وبالتالي ليس لديه حظوظاً بالفوز بالرئاسة، وأن الحال هذه، ليس لحزب الله مصلحة بدعمه. ولكن، متى كان لحزب الله حسابات تراعي المزاج الشعبي؟! ما مصلحته إذاً في الإتيان بباسيل رئيسا” للجمهورية؟ 1) يشكل التيار الوطني الحر التغطية المسيحية الرئيسية لحزب الله، ولا بديل له. حزب المردة أصغر حجماً، وإنتشاره الجغرافي محدودا، ولا يزال حزب عون وازناً مسيحياً، ولو أنه ضعُف.  ومن البديهي أن الحزب لا يمكنه الوثوق بالدكتور سمير جعجع لألف سبب وسبب،  وهو لا يمكنه أن يثق بالجنرال جوزيف عون نظراً ل”علاقاته الوثيقة” الأميركية والعربية، ولا سيما أن تجربته مع الرئيس ميشال سليمان كانت سيئة. كما أنه، في مثل الحالة المفترضة ومستوى القوة التي يتمتع بها، ليس مضطراً أن يساوم داخلياً وخارجياً للإتيان برئيس تسوية. 2) نتيجة لعزلته السياسية والعقوبات الأميركية، ليس لباسيل اي “صاحب” إلا حزب الله. وبالتالي، فهو يشكل أداة طيّعة في يده، بما يخص كل ما يهم الحزب، أي سياساته الإقليمية المتصلة بمشروع إيران الإلهي، وبالرغم من بعض “النتعات الباسيلية” بالنسبة لسياسات داخلية، (التي يتقبلها الحزب ويوظفها في الإمساك أكثر فأكثر بالأوضاع اللبنانية). في المقابل، سليمان فرنجية له علاقاته المباشرة التاريخية مع آل الأسد، بالإضافة إلى علاقات جيدة مع الرئيس نبيه بري، المنافس الصامت، والأخصام جنبلاط والحريري. فالحزب بحاجة إلى “حليف” مقطوع من شجرة في رئاسة الجمهورية. 3) إن المجيء بباسيل إلى سدة الرئاسة، يُزعل فرنجية بالتأكيد. ولكن مناقبية هذا الأخير وتمسكه ب”الخط”، يُحولان دون إبتعاده عن الحزب. بالمقابل المجيء بفرنجية، قد يدفع إلى إنقلاب لدى عون وفريقه. ولكن كيف السبيل لإستمرار إمساك حزب الله بالمؤسسات الدستورية الثلاث؟ أولاً، الحفاظ على الغالبية النيابية. ثانياً، إنتخاب باسيل، كإمتداد لولاية عون. ثالثاً، الإمساك بقرار أي حكومة. في ظل الضعف النسبي للتيار العوني، قد يفقد الحزب الغالبية النيابية إذا ما أجريت الإنتخابات، ويصّعب عليه المجيء بباسيل، ويجعله مضطراً إلى ممارسة ضغوط أقوى على “حلفائه” وأخصامه لتحقيق الغاية. لذا، ليس أمامه سوى طريقين لتحقيق غايته، عنوانهما واحد، أعني أن ينتخب البرلمان الحالي رئيس الجمهورية.  أولاً، إستقالة عون الطوعية من منصبه قبيل تاريخ إجراء الإنتخابات النيابية، بهدف تأمين خلفه المحبب (وهذا أمر ممكن كنت قد أشرت إليه منذ أكثر من سنة).

ثانياً، تمديد ولاية البرلمان الحالي. وأسباب التمديد متعددة وسهلة التحقيق. ليس التهديد بإستقالات جماعية للثلاثي (التقدمي، المستقبل، القوات) إلا محاولة للضغط الإستباقي، للحيلولة دون إلغاء الإنتخابات، ولكن لن تتحقق غايته، إذ أن الوحيد الجدي في هذا التوجه هو جعجع، نتيجة مراهنات نظرية قد تكون صحيحة نسبياً، ولكنها غير قابلة التحقيق عملياً، في حين أن جنبلاط يخشى الذهاب إلى هذا الحد من تحدي حزب الله، وأن الحريري المتعثر لا يريد الدخول في هكذا تحديات، ولا سيما أن إنتخابات نيابية قد تقلص حجمه البرلماني. ولكن ثمة من قد يقول، أن الأغلبية المطلقة لإنتخاب باسيل لا تكفي، وانه بحاجة لأغلبية ثلثي المجلس. غير أن الحزب قد يفرض على بري جمع مكتب المجلس، لتفسير المادة 49 من الدستور، بحيث تعتبر الدورة الأولى من الإنتخاب قد حصلت، مجرد الدعوة إلى جلسة إنتخاب الرئيس، حتى في حال عدم توفّر نصاب الثلثين. وفي كافة الأحوال، لدى حزب الله وسائل الضغط والمستمسكات على الطبقة السياسية المارقة، لكي يرغمها على إطاعة أوامره. في الخلاصة، حزب الله له المصلحة والقدرة بأن يأتي بباسيل رئيساً للبلاد. لبنان يعيش حالة اللادولة. والمطلوب من أحرار لبنان تفعيل حركة سيادية-تغييرية، خارج الأطر الدولتية المخطوفة، لتظّهر إرادة اللبنانيين في التخلص من الإحتلال الإيراني عبر حزب الله، ومن الطبقة السياسية المارقة القاتلة الخاضعة له.

الكاتب: 
توفيق الهندي
المصدر: 
التاريخ: 
الأحد, نوفمبر 28, 2021
ملخص: 
في كافة الأحوال، لدى حزب الله وسائل الضغط والمستمسكات على الطبقة السياسية المارقة، لكي يرغمها على إطاعة أوامره. في الخلاصة، حزب الله له المصلحة والقدرة بأن يأتي بباسيل رئيساً للبلاد. لبنان يعيش حالة اللادولة.