لبنان المسيحي بمواجهة "الشيعية السياسية": من الانتخابات إلى الفيدرالية

النوع: 

 

قد تكون البيئة المسيحية من أكثر البيئات تشعباً وحركة مقارنة بالبيئات الطائفية الأخرى. فهي وحدها شغلت القوى السياسية على اختلافها، كما شغلت عمل وزراء الخارجية الأجانب وعدد من السفارات التي عملت على دراسة متغيرات هذه البيئة، لما سيكون لها من تأثير في شكل المجلس النيابي الذي سينتج عن انتخابات أيار 2022.

فأهم متغيرات هذه البيئة أنها اتسعت لمجموعات تحت مسمى "المجتمع المدني" بالإضافة إلى الأحزاب التقليدية. إذ تبدو المعركة محتدمة حالياً على صناديق الاقتراع بين القوى التقليدية والقوى الجديدة، التي وجدت في الساحة المسيحية مجالاً أوسع من غيرها للتمثيل.

التيار والقوات

جولة سريعة على أحداث هذه الساحة لا بد أن تبدأ من استمرار الخلاف بين أكبر قوتين مسيحيتين، أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. فالتيار راكم خصومات عديدة على الساحة اللبنانية، ولم يبقَ له سوى حزب الله حليفاً، فيما راكمت القوات اللبنانية بدورها خصوماً، بدأوا يتقلصون في الأشهر الأخيرة مع بدء رئيس "القوات"، سمير جعجع، المعركة الانتخابية بخطاب عالي السقف تجاه حزب الله.

تمركز الفريقين على طرفي نقيض في السياسة، انعكس على شعبيتهما في الساحة المسيحية. فتراجع التيار مقابل تقدم القوات أو ثباتها على الأقل، فيما بدا المتغير الأكبر في خطاب الصرح البطريركي، الذي بعدما كان يسلّم بتقدم شعبية تيار رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ، أصبح يعتبر رئيس القوات سمير جعجع الزعيم المسيحي الأول.

بكركي تقود

في شباط من العام 2021 استقبلت بكركي تظاهرة في ساحتها، حيث ألقى  البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كلمة، جدّد وأكد فيها عناوين بكركي وثوابتها العدة. أبرز هذه العناوين التمسك بالدستور وبوثيقة الوفاق الوطني، حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، الحياد الإيجابي، والدعوة إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان تحت رعاية الامم المتحدة، وبطبيعة الحال، التحقيق العدلي وحماية القاضي طارق البيطار في تحقيقه في جريمة تفجير مرفأ بيروت.

لم يقتصر عمل بكركي على هذه العناوين، بل كان لها مساعٍ عدة في سياقات مختلفة، أبرزها الأزمة الحكومية وأزمة التحقيق في تفجير المرفأ، والأزمة الناتجة عن تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي وغيرها.

لا شك أن التحقيق في تفجير المرفأ هو الذي يقود بوصلة الرأي العام في الشارع المسيحي تحديداً. فبعد أن اتخذ تفجير مرفأ بيروت عام 2020 بعداً مسيحياً خاصاً، اتخذ كذلك التحقيق بالتفجير بعداً أبعد في الرأي العام نفسه، وأصبح التمسك بقاضي التحقيق طارق البيطار لا مفر منه في مواجهة فريق الثنائي الشيعي الذي أراد الإطاحة بالبيطار. تحول التحقيق العدلي في الجريمة إلى ثابتة لا يجرؤ أحد على المساومة عليها، على الأقل علناً. لدرجة أنه كان القاسم الوحيد الذي اجتمع عليه حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، رغم صراعاتهما الدائمة. فامتنعا معاً عن تأمين النصاب في أي جلسة نيابية تسحب من القاضي البيطار صلاحية التحقيق مع الوزراء المتهمين، عبر تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

إلى الفيدرالية

بموازاة هذا المشهد، نقاش جدي أُعيد إحياؤه في الساحة المسيحية، حول شكل النظام اللبناني. فمع تعاظم قوة حزب الله وتفاقم حساسية الشارع المسيحي من الحزب، ومحاولة التيار الوطني الحر التمايز عنه في ملف تفجير المرفأ، وخيار المواجهة الذي اتخذته القوات اللبنانية.. كل ذلك دفع باتجاه عودة طرح نظام الفدرالية نظاماً بديلاً عن النظام الحالي. عزز هذا الطرح أحداث عدة، أبرزها حادثة اعتداء مجموعات من حركة أمل على بلدة مغدوشة ومزاراتها الدينية شرق صيدا، وحادثة الطيونة-عين الرمانة، التي دخلت فيها مجموعات من الثنائي رافعة شعارات طائفية إلى معقل القوات اللبنانية في عين الرمانة.

لم تمر هذه الحادثة مرور الكرام مسيحياً، بل شكلت تراكماً جديداً ضد حزب الله، ترجم على شكل كلام علني عن نظام جديد، بعدما عجز النظام الحالي عن "حماية وجود جميع الفئات".

هل تحمي الفدرالية المسيحيين؟ هو نقاش فعلي يحصل حالياً في الوسط السياسي المسيحي، عبّر عنه مؤخراً رئيس الجمهورية ميشال عون في خطابه الأخير، عندما تحدث عن اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. ولو فسر البعض كلامه على أنه ورقة لمساومة حزب الله على تعطيله الحكومة في نهاية العهد، إلا أنه النقاش الحقيقي الذي يشغل الصالونات، حتى بات الكلام يتمحور حول موعد إجراء طاولة حوار لبنانية برعاية أجنبية لمناقشة عقد اجتماعي جديد للبنانيين، أو ما يفضل أن يسميه البعض مؤتمرًا تأسيسيًا.

المصدر: 
التاريخ: 
الأحد, يناير 2, 2022
ملخص: 
هل تحمي الفدرالية المسيحيين؟ هو نقاش فعلي يحصل حالياً في الوسط السياسي المسيحي، عبّر عنه مؤخراً رئيس الجمهورية ميشال عون في خطابه الأخير، عندما تحدث عن اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. ولو فسر البعض كلامه على أنه ورقة لمساومة حزب الله