قراءة دستورية في نزاع الصلاحيات: بين الرئاسة الشاغرة وحكومة تصريف الأعمال

النوع: 

 

يتصاعد الجدل الدستوري مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس ميشال عون والحذر من الفراغ في سدة الرئاسة لأسباب شتى، لسنا في معرض الحديث عنها، حول دستورية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الى حكومة تصريف أعمال في حال لم تُشكّل حكومة جديدة، خصوصاً أن كيان الدولة على شفير الإنهيار في ظل شلل شبه تام للمرافق العامة والوضع الإقتصادي المنهار، وتعطّل عمل بعض المؤسسات الدستورية نتيجة الاوضاع الإقتصادية. علماً ان هذا الجدل ليس جديداً. إذ سبق أن أثير مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، لكنه انتهى مع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام التي تولت صلاحيات رئيس الجمهورية باعتبارها حكومة كاملة الصلاحيات بعد نيلها ثقة مجلس النواب.

مع انتخاب مجلس نيابي جديد وبدء ولايته، أصبحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، عملاً بأحكام البند «د» من الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور، بحكم المستقيلة. وباتت صفة تصريف الأعمال تنطبق عليها من الناحية القانونيّة، وفقاً للفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور التي تنص صراحة على التالي: «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال». و بما ان مجلس الوزراء لا يجتمع في ظل فترة تصريف الأعمال، ويفقد الوزراء العديد من الصلاحيات التي تنيطها بهم القوانين، فما هو مفهوم تصريف الأعمال من الناحية الدستورية؟ وهل يحق لحكومة تصريف الاعمال تولي صلاحيات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته؟

سنحاول الاجابة على هذه التساؤلات على ضوء النص الدستوري وقرارات مجلس الشورى والمجلس الدستوري، من دون الوقوف على رأي الفقه الدستوري الذي نحترم بعدما ناقض البعض نفسه مؤخراً.

اولاً: المسوغ الدستوري لتصريف الاعمال

حدّد مجلس شورى الدولة في قراراته نطاق تصريف الأعمال فقد جاء في متن قراره رقم 293/2015:

وبما أن المادة 64 من الدستور المعدلة بموجب القانون الدستوري رقم ۹۰/۱۸ تاریخ ۱۹۹۰/۹/۲۱ تنص في نهاية البند الثاني منها على أن «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال»، فيكون بالتالي المشرّع التأسيسي قد حدد الأساس الدستوري لمفهوم تصريف الأعمال وهو زوال المسؤولية السياسية عن الحكومة المستقيلة بسبب فقدان الرقابة البرلمانية على أعمالها، بحيث تخضع بالتالي تدابير الحكومة المستقيلة وتقدير ظروف اتخاذها، لرقابة القضاء الإداري لانتفاء المسؤولية الوزارية أمام البرلمان. وبما أن العلم والاجتهاد مستقران على اعتبار أن الأعمال الجارية أو العادية التي يعود للحكومة المستقيلـة أمر تصريفها (Expédition des affaires courantes) وجدت جذورها الدستورية في الفقرة الأولى من المادة ٥٢ من دستور الجمهورية الرابعة سنة ١٩٤٦ في فرنسا، وقد رفعها مجلس شورى الدولة الفرنسي إلى مصاف المبادئ القانونية العامة وحدّد مفهومها بدقة، حيث فرّق بين:

- الأعمال الجارية بطبيعتها أي كتلة القرارات اليومية التي تحضرها الدوائر الإدارية والتي يكتفي الوزير بتوقيعها بعد تدقيق موجز.

- الأعمال المهمة التي لا يعود إلى حكومة مستقيلة القيام بها إلا في الحالات الطارئة، على أن يبقى موضوع تحقق الحالة الطارئة وتوافر شروطها خاضعاً لرقابة القضاء الإداري.

- القرارات التنظيمية الأساسية (Grands reglements statutaires) والأنظمة التي تعدل الأحكام التنظيمية السابقة والحقوق المعترف بها بموجب القوانين، والتي لا تدخل أبداً ضمن صلاحيات الحكومة المستقيلة.

- Observations sous C.E. Assemblée 4 Avril 1952, Syndicat régional des quotidiens d'Algérie; G.A.J.A, 13ème édition, n ° 73, p.464. 12:17

وبما أنه ينبني على ما تقدم أن تحديد نطاق «الأعمال العادية» يستوجب التفريق بين الأعمال الإدارية والأعمال التصرفية، وبما أن مجلس شورى الدولة اللبناني اعتبر أن الأعمال التصرفية التي يمتنع على حكومة تصريف الأعمال اتخاذها، هي تلك التي ترمي إلى إحداث أعباء جديدة والتصرف باعتمادات مالية هامة، أو إدخال تعديل جوهري على سير المرافق العامة وعلى أوضاع البلاد السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية، أي التدابير التي تثير البحث في المسؤولية الوزارية. - القرار رقم ٦١٤ تاریخ ١٩٦٩/۱۲/۱۷ وبما أنه في مقابل ذلك، اعتبر مجلس شورى الدولة أن من بين الأعمال العادية التي يعود للحكومة المستقيلة اتخاذها، الأعمال الإدارية اليومية التي يعود للهيئات الإدارية إتمامها ولا يمارس الوزراء عليها سوى إشراف محدود، وهي تشمل الأعمال الجارية بطبيعتها (Affaires courantes par nature)، أي كتلة القرارات اليومية التي تحضرها الدوائر الإدارية والتي يكتفي الوزير بتوقيعها بعد تدقيق موجز من دون أن تطرح صعوبة خاصة أو خياراً سياسياً أو قانونياً دقيقاً، كما هي الحال عليه بالنسبة للقرارات الإعترافية (Décisions récognitives) التي يتخذها الوزير ولا يمارس حيالها أي سلطة إستنسابية في التقدير، كونها تدخل في إطار تنفيذه لمهامه اليومية.

و بما أن حكومة تصريف أعمال لا تجتمع ولا يمكنها ان تتخذ قرارات اساسية، فهل يجوز إنتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها؟

ثانياً: مشروعية تولي حكومة تصريف الاعمال مهام رئيس الجمهورية المنتهية ولايته.

نصت المادة 62 من الدستور على أنه: «في حال خلوّ سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».

و رغم أن النص لم يفرّق بين حكومة عادية او حكومة تصريف اعمال، فإن الجدل القائم يستند حول مشروعية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال مردّه أسباب عدة، منها:

• ان لا سلطة لمجلس النواب على الحكومة المستقيلة من ناحية أدوات الرقابة. علماً انه يبقى من حق المجلس النيابي توجيه الإستجواب للوزراء.

• ان الحكومة الحالية منبثقة من مجلس نيابي انتهت ولايته وهي امام مجلس جديد لم يمنحها الثقة قبل اعتبارها مستقيلة.

و عليه، هناك من يعتبر انه دستورياً لا يجوز انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته الى حكومة تصريف اعمال، لأن الثقة هي الشرط الاساسي لكي تكون الحكومة عاملة، وكذلك الامر بالنسبة للحكومة الحالية المستقيلة، لأن صلاحيات الرئيس بموجب المادة 64 تنتقل الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وحكومة تصريف الاعمال لا يحق لها ان تجتمع.

الكاتب: 
مصطفى محمد الزعبي
التاريخ: 
السبت, سبتمبر 3, 2022
ملخص: 
مع انتخاب مجلس نيابي جديد وبدء ولايته، أصبحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، عملاً بأحكام البند «د» من الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور، بحكم المستقيلة. وباتت صفة تصريف الأعمال تنطبق عليها من الناحية القانونيّة، وفقاً للفقرة الثانية من المادة 64