نصرالله لباسيل: نريد تشكيل حكومة.. وممنوع المس بالطائف والاستقرار
من يراقب خطوات حزب الله في الداخل اللبناني، يوقن أن ثمة تغيراً جوهرياً في أداء الحزب السياسي. منذ فترة يعكف الحزب على وضع رؤى وخطط تتعلق بإطلاق وثيقة سياسية جديدة، جلّ تركيزها هو الاهتمام بالملفات الداخلية، والعلاقة بالدولة اللبنانية.
بعد إنجاز ملف ترسيم الحدود، سيكون الحزب مهتماً أكثر بالأمور الداخلية، طالما أنه ضمن دوره كلاعب أساسي مقرر في ملف الترسيم. وهذا يتضح في كلام الأمين العام السيد حسن نصرالله الذي قال: "المهمة أنجزت". وبالتالي، دوره محفوظ وسلاحه أيضاً، ولا حاجة لإثارة ملف السلاح على صعيد خارجي، طالما أنه لن يكون فاعلاً في هذه المرحلة، خصوصاً ان الاستقرار هو السمة والعنوان.
في كل الاتجاهات
تحت هذا السقف يعمل حزب الله في كل الاتجاهات. منذ فترة، يبدو الحرص لدى الحزب على التهدئة مع الجميع في الداخل والخارج، وعدم ممانعة الانفتاح والتواصل مع أي جهة عربية أو غربية. في التفاصيل اليومية، تركّز اهتمامه على عملية تشكيل الحكومة، وسط مساعٍ يومية لمسؤولي الحزب بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، للوصول إلى تفاهم حكومي، خصوصاً أن حزب الله لا يريد الذهاب إلى فوضى دستورية تؤدي إلى فوضى اجتماعية وأمنية وسياسية. وهو يحرص في هذه المرحلة على تثبيت الاستقرار.
يسعى حزب الله أيضاً إلى تحسين العلاقة بين حلفائه، وخصوصاً بين التيار الوطني الحرّ وكل من حركة أمل وتيار المردة. ولذلك، كانت فكرة جولة باسيل للتهدئة مع الجانبين من خلال تسليمهما ورقة الأولويات الرئاسية.
في المقابل، لا يتخلى الحزب عن مساعيه للتهدئة مع الجهات الأخرى أيضاً، خصوصاً في الساحة السنّية، وحتى مع قوى مسيحية مختلفة بما فيها حزب الكتائب والبطريركية المارونية. إذ عقدت لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين الجانبين. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن الحزب لا يمانع التهدئة مع حزب القوات اللبنانية، بحال قررت التعاطي بنوع من الهدوء والتقليل من "التهجمات غير الواقعية" والدخول في صراع لأجل الصراع. وحرص الحزب في كل الرسائل التي أطلقها على أنه يرفض التفاوض معه في السرّ ومهاجمته في العلن. وهذا موقف أبلغه لقوى متعددة من خلال تبادل الرسائل والمواقف.
لقاء باسيل-نصرالله
شهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة تحركات على خطّ ميقاتي-باسيل. جهد حزب الله على التوفيق بين الطرفين لتشكيل الحكومة، وأبلغهما بأنه لا بد من تشكيل الحكومة. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن الأيام الماضية شهدت استياءً من قبل المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل من أداء الطرفين، ميقاتي وباسيل. إذ أن كل واحد منهما يستمر في وضع الشروط وتصعيب المهمة، حتى وصل الأمر بخليل إلى التلويح بوقف الوساطة. بعدها حصل تحرك ثان على خط حارة حريك وباسيل، تمثل بلقاء عقده مسؤول وحدة العلاقات والتنسيق وفيق صفا يوم الثلاثاء الفائت مع باسيل. استمر اللقاء لثلاث ساعات، جرى خلالها البحث في تشكيل الحكومة، واستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية وفي ملف ترسيم الحدود. هذا اللقاء هو الذي مهد إلى عقد اللقاء بين نصرالله وباسيل يوم الأربعاء الفائت. هذا اللقاء جاء عشية اتفاق الترسيم، وبالتالي كان لا بد من ترتيب الأجواء بين الطرفين، والتأسيس للمرحلة المقبلة خصوصاً في مقاربة الملفات المختلفة.
في اللقاء أيضاً -حسب المعلومات- كان نصرالله حريصاً على ضرورة عدم افتعال أي إشكالات أو استفزازات. وقال صراحة إنه لا بد من تشكيل الحكومة، لأن وضع البلد لا يحتمل، ولأن ذلك سيكون له تبعات خطرة على الوضعين الأمني والاجتماعي. كما أن نصرالله كان شديد الوضوح بأن الحزب لا يريد لأي فراغ أو فوضى دستورية أن تقود إلى فتح ملفات تتعلق بطروحات تغيير الدستور أو النظام، لأن هذا سيخلق عوامل انعدام الاستقرار، وقد تستغله جهات متعددة. وتضيف المصادر: "بدا نصرالله متمسكاً باتفاق الطائف على قاعدة أنه سيوفر الحماية السياسية والدستورية للجميع، ولأن لا مجال للبحث به، إنما الحفاظ عليه يؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار وعلى العلاقات بين المكونات. وهذا عنصر من شأنه أن يريح الداخل إلى حدود بعيدة."
تخلل اللقاء -حسب المعلومات التي لا تزال قليلة نسبياً- بحث في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية. وقد كان أمين عام الحزب واضحاً في ضرورة إعادة توحيد المواقف بين الحلفاء. وصحيح أن حزب الله لا يزال يسعى إلى اقناع باسيل بالسير بفرنجية، إلا أن الأهم قبل ذلك هو تحقيق الاتفاق بين الحلفاء وكسر الجليد ورفع الموانع.
جواب باسيل
لا جواب نهائياً حول موقف باسيل بعد اللقاء مع نصرالله، لأن هناك حسابات مختلفة تحتاج إلى دراسة وبحث. لكن بعض المؤشرات لا تزال تميل إلى السلبية، خصوصاً أن باسيل رفض تقديم أي تنازل، علماً أن حزب الله كان صريحاً مع باسيل، بأنه طالما لا يريد منح الثقة للحكومة فلماذا يطالب بحصّة وزارية. حتى أن مؤشرات كلام رئيس الجمهورية لا توحي أيضاً بتوافق تام لا حكومياً ولا في رئاسة الجمهورية. إذ أن عون قال: "للسيد نصرالله عينتين ولي عينتين وكلنا يرى الألوان بشكل مختلف، والمعزّة والعلاقة الجيدة موجودة، ولكن لا علاقة لها بالرؤية المتعلقة بالمصلحة العامة".
نحو البطريركية
في هذا السياق، جاءت زيارة باسيل إلى بكركي للقاء البطريرك الراعي. هذه الزيارة لها أكثر من هدف أو مؤشر، فأولاً جاءت بعد تسريب كلام عن أن ميقاتي نجح في استمالة البطريركية المارونية وبعض القوى المسيحية، لمنح الغطاء لحكومة تصريف الأعمال بتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية. فتوجه باسيل إلى بكركي محذراً من هذه المغبة، وفي مسعى للحصول على غطاء البطريرك أيضاً. من غير المعروف إذا ما كان باسيل وبعد زيارته إلى بكركي وتصريحه، قد يندفع للذهاب إلى التفاهم على الحكومة، لتجنب الأسوأ الذي حذّر منه. في المقابل، تتهم مصادر باسيل ميقاتي بأنه لا يريد تشكيل الحكومة لأسباب داخلية وخارجية. هنا ثمة خشية من أنه في حال لم تتشكل الحكومة، سيتكرر لاحقاً سيناريو حكومة فؤاد السنيورة في العام 2006 والتي انسحب منها الوزراء الشيعة، فيما هذه المرة قد ينسحب من حكومة ميقاتي الوزراء المسيحيون، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن اجتماعاً عقد بين تسعة وزراء محسوبين على التيار الوطني الحرّ للتنسيق حول عدم المشاركة بأي جلسة حكومية لحكومة تصريف الأعمال، وعدم التوقيع على أي قرارات أو مراسيم تطال صلاحيات الرئيس.
ومن بكركي قال باسيل: "الجميع يتعامل مع الفراغ الرئاسي على أنه أمر واقع والمؤسف أكثر هو "الفراغ على الفراغ". وقلت للبطريرك الراعي أن هناك مخططاً للبنان، وهو أن لا يتم تشكيل حكومة بإرادة واضحة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ودعم من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ودعم خارجي وبعض المرجعيات، لحصول الفراغ الحكومي ووضع اليد على المقام الأول في الجمهورية اللبنانية أي الرئاسة". وأكد باسيل "لا يمكن ان نقبل بحكومة فاقدة للشرعية البرلمانية والشعبية"، لافتاً إلى أن "بعض المسؤولين يسيرون بالبلد إلى الفوضى الدستورية. والسؤال هو لماذا هذا السكوت المريب عن تشكيل حكومة؟".