هل أسّس عنف القرن التاسع عشر مجتمعا ولودا للحروب الأهلية؟

النوع: 

 

في مجتمع تكرّر في تاريخه القريب إفضاء الأزمات إلى نزاع أهلي عنيف، تميل التوقّعات (سواء أكان أصحابها من أهل الاختصاص أم من سواهم) إلى التخوّف من عودة الحرب كلما نشبت أزمة كبيرة وتعثرت المحاولات للوصول إلى مخرج منها. ذاك هو شأن اللبنانيين اليوم أمام الأزمة التي يتخبط فيها نظامهم السياسي، وقد ازدادت انكشافا (ولا نقول نشبت) من مدة زادت عن سنة.

فهم يستذكرون، بطبيعة الحال، حرب بلادهم الأخيرة (1975-1990)، ولكنهم يستعيدون أيضا مواجهتين أقدم عهدا شهدتا عنفا أهليا جسيما أيضا، وهما أزمة 1958، وما أطلق عليه في القرن التاسع عشر اسم “الحركات”[1]، وقد انتشر على السنين العشرين الوسطى من القرن المذكور وبلغ أوجه (ونهايته) في “حركة” 1860.

وقد يستذكر أحسن اللبنانيين معرفة بتاريخ بلادهم حالات أخرى تجمعت فيها نذر جدّية بالنزاع الأهلي وحصلت فيها بدايات له ولكن أمكن ضبطها بفضل قوى وظروف خارجية المصادر كان نفوذها غلابا عند طرف من طرفي النزاع أو كان لها وجود رادع في البلاد ولم يكن لها مصلحة في استشراء النزاع. وهو ما جرى في مرحلة 1918-1920 وفي أزمة 1936[2].

تفترض هذه النزعة الاستذكارية، على الإجمال، نوعا من الدخول للحروب السابقة في علـّية المواجهة الراهنة وفي إملاء صيغتها ورسم أفق لتطورها. ويعزّز هذا التوجه نوع من الاختصار المتعجل يماثل من حيث الأساس ما بين الحروب المختلفة ولا يكترث كثيرا لتغيّر الظروف والمعطيات من مرحلة إلى أخرى، وإن يكن هذا التغيّر يبدو جسيما عند أدنى نظر.

هل تولد حرب أهلية قائمة من حرب سابقة بالضرورة؟ ولم لا تكون الحرب السابقة مصدر عظة وتوبة، فتتعزز بها الرغبة في التوصل إلى مخارج سلمية للأزمات السياسية أو السياسية-الاجتماعية؟

لا تتسع هذه العجالة لأكثر من تشخيص مجمل جدا للحبكة التي تشكلت على خيوطها حرب واحدة (هي الأولى) من الحروب الثلاثة الصريحة التي شهدها لبنان في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومرمى هذا التشخيص، أوّلا، إلى استجلاء ما يصحّ اعتباره ثوابت تكرر فعلها من أزمة سابقة إلى أخريين لاحقتين – وهذا، طبعا، إن ثبت عندنا وجود هذه الثوابت. ومرمى التشخيص نفسه، ثانيا، إلى إبراز عناصر الفرادة الإجمالية للأزمة المدروسة بإزاء تاليتيها. ومرماه، ثالثا، إلى تقدير وجود الصلة أو عدمها ما بين هذه الأزمات واحتمالات العنف التي ينطوي عليها الظرف الحاضر في البلاد ويتوجس من شرها الناس.

{تطوّر غير متناظر}

كانت حوادث 1840-1860، في مبتدئها، أي في سنة 1840، انتفاضة جامعة في وجه مسلك لا يطاق سلكه جيش الاحتلال المصري وحليفه بشير شهاب الثاني. كانت جامعة بمعنى أنها شهدت وحدة في الموقف بين طوائف الجبل والساحل، على اختلافها، وبخاصة بين الدروز والموارنة. وهذه وحدة حفظنا منها، حتى اليوم، تذكار عامية أنطلياس، خصوصا، وعامية دير القمر وملنا إلى تناسي ما سبقهما بأشهر أو بسنوات وما تلاهما بأشهر أو بسنوات أيضا. أما الذي سبق، فكان تبني الموارنة، ردحا من الزمن، مشروع بشير شهاب وقبولهم مقاتلة الدروز الثائرين عليه وعلى إبراهيم باشا المصري مقاتلة قدّر الدروز أنها ترمي إلى خضد شوكتهم – وهم سادة الجبل الجنوبي التاريخيون – خضدا لا تقوم لهم بعده قائمة. وأما الذي تلا فكان تشبّث الدروز بزعمائهم العائدين من النفي وسعيهم إلى استعادة امتيازات الإقطاع لهم، وهي امتيازات كان ظلها الثقيل يشتمل على المسيحيين وكان بشير الثاني قد أراح هؤلاء من جانب منها، قبل وصول إبراهيم باشا إلى البلاد ثم مضى، مع المحتل المصري، شوطا أبعد في الاتجاه نفسه، ولكن ليعودا ويرزحا على الدروز والنصارى معا بما هو أثقل ظلا بكثير من أية امتيازات إقطاعية كانوا قد عرفوها[3].

ذاك هو التقابل الجبلي الذي تسلسلت منه الحوادث بعد سنة 1841. وهو تقابل لم يكن تناظرا. فقد كان الدروز يتمسكون بالضمانات العرفية لمكانتهم في الجبل، جاهدين للاستعاضة بها عن نقصان عددهم وتأخر جماعتهم عن الركب الذي أطلقه تغلغل المصالح الأوروبية في جبلهم وعما كان يستلزمه اللحاق بهذا الركب من إقبال على تجديد نمط الاستثمار في الزراعة وعلى التعليم وعلى الصنائع والتجارة وهو ما كان التغلغل نفسه قد يسّر سبله للمسيحيين، في الربع الثاني من القرن، على الخصوص، ولكن قبل ذلك بعهود طويلة أيضا[4].

كان المسيحيون قد أخذوا يتلمسون مزايا العمل المستقل واقترانه، في حالات كثيرة، بما يشبه حقوق الملكية الخاصة للأرض. وهذه ملكية لم يكن قد استتب أمرها، على الصعيد الحقوقي، في الأربعينات من القرن التاسع عشر، ولكن ترنّح الإقطاع، في عهد بشير، كان قد جعل الكثير من ملامحها واقعا ماثلا في الممارسة[5]. وكان هذا كله يرهص، عند المسيحيين، بملامح تطلّع قومي وأخيلة استقلال وطني ما لبثت أن ظهرت في أعمال مفكريهم. ظهرت على صور مختلفة لبثت تترجح ما بين التركيز على الحكم الذاتي في جبل موسع أو مستكمل المقومات الاقتصادية إلى الحد الممكن والطموح إلى مملكة سورية تنفتح آفاقها أمام نشاط المسيحيين. وهذا نشاط لم يتورع بولس نجيم لاحقا عن وصفه بـ”الاستعمار” بالمعنى الأول الذي كانت فيه هذه اللفظة مرادفة للعمران[6]. في كل حال، لم تكن الوطنية السورية هذه قد بلغت أشدها، في المراكز ذات الصفة لقيادة المسيحيين، عند انتصاف القرن التاسع عشر (وهي المراكز الكنسية، بديهة). وإنما كانت لا تزال شأن خوارج استقطبتهم الإرساليات الأنكلوسكسونية من قبيل بطرس البستاني[7]. وكانت قد مهدت لتوسيع آفاقهم عروبة كان إبراهيم باشا نفسه قد باشر نصبها في الأرجاء السورية ليواجه بها شرعية آل عثمان[8].

هذه القيادة الآخذة من جهتها بزمام التحديث، في الجانب الماروني، كانت قد دخلت بقوة في دور ملتبس. فكان عمل الكنيسة يضعف الإقطاع ببث العناصر المؤهلة لمواجهته في تضاعيف المجتمع وبالرفع من شأن أبناء الفلاحين المقبلين على الترهب والكهنوت. ولكن أمراء الكنيسة كان جلهم لا يزال إقطاعي المنبت في الأربعينات من القرن، وكانت الكنيسة قد أصبحت، برغم اختلاف أسلوب المراكمة ومنهج العمل، أقرب ما تكون إلى كبير للإقطاعيين في الجبل. وكان البطريرك يوسف حبيش قد جمع بين موالاة الأمير بشير وحفظ ولاء الدروز لشخصه إذ كانوا يرون فيه حارسا لنظام قيم يشبه ذاك الذي كانوا لا يزالون يعتمدونه[9].

{الاختلاط في التقسيم}

لم يجد الموارنة، وعلى رأسهم البطريرك، بعد 1841، صيغة لحكم وطني مستقر يطلبونها غير إعادة بشير الثاني إلى كرسي بيت الدين. وهذا كابوس لم يكن يسعهم أن يقترحوا على الدروز أثقل منه[10]. وحين تعذرت عودة الاستقرار على يد حاكم غير لبناني هو عمر باشا النمساوي، قسّم الجبل إلى قائمقاميتين لبثتا مضطربتين[11] ثم استحدث نظام شكيب أفندي، غداة “حركة”1845، لكل منهما مجلسا طائفيا ذا صفة قضائية[12]. ولكن رجال الإقطاع جهدوا لتعطيل هذه الصيغة، إذ وجدوها تذهب ببعض سلطاتهم إلى المجلسين والقائمقامين وثابروا على خرق قواعدها وتعطيلها[13]. ثم إنها بقيت بؤرة لمشكلات أخرى كان أبرزها مشكلة الأقضية المختلطة، في القائمقامية الجنوبية، خصوصا، وهي التي أعطي كرسيها للدروز مع أنهم لم يكونوا غير أقلية كبيرة فيها. فنشأ جدل في ما إذا كان على الأكثرية المسيحية في الجنوب أن تتبع، بمقتضى الانتماء الديني، قائمقام الشمال أم أن تبقى تابعة لقائمقام درزي يتصدر رتلا من الأعيان هم الذين كان المسيحيون يأبون الرضوخ مجددا لسلطانهم[14].

في مرحلة التقسيم المنظم هذه – وقد طالت خمسة عشر عاما – لم تكن نقمة القوى الجديدة المتفتحة في المجتمع المسيحي تطاول الإقطاع الدرزي وحده. وإنما كانت تحاصر شيئا فشيئا إقطاع الشمال الماروني. وهو ما أسفر، في سنة 1858، عن جمهورية طانيوس شاهين في كسروان، وقد أزاحت ربقة الإقطاع عن جانب من الجبل الشمالي وتوصلت إلى طرد أعيانه، لا من مزارعهم وحسب بل من بيوتهم أيضا[15]. وقد وجد بعض المؤرخين صلة تواؤم ما بين هذه الحركة وصعود قوى جديدة في هيكلية الكنيسة. وهو الصعود الذي عدّ تعبيرا عنه اختيار بولس مسعد سليل طبقة الفلاحين بطريركا على الموارنة بعد وفاة يوسف الخازن سنة 1854[16]. هذا الرأي، يجد سندا له في الممالأة الكنسية المؤكدة للحركة في مستهلها وتعززه أيضا أخبار طموح دغدغ أعيان الكنيسة إلى الاضطلاع مباشرة بحكم الجبل[17]. على أن الكنيسة، تعذر عليها، بحكم من وظيفتها المؤسسية ومصالحها الإجمالية، أن تشيح عن موقعها الجامع فتثابر على مسايرة الحركة في فوضاها وعنفها. فكان أن بقيت الكنيسة مقيمة على الالتباس الذي فرضه اشتباك المصالح الإكليركية بالاعتبار الطائفي العام… وأمكن بالتالي أن يغضي البطريرك الجديد عن الحملة التي قادها يوسف كرم للقضاء على جمهورية طانيوس شاهين[18].

{الاحتكاك والشرر}

كانت خلاصة الوضع الداخلي في الجبل إذن هذا الاحتكاك المتمادي ما بين طائفتين: الأولى (هي الدرزية) لم تجد لمكانتها المتوارثة من عاصم غير الاستواء كتلة واحدة تقريبا خلف قادتها الإقطاعيين المنبعثين بقوة من رماد العهد البشيري- المصري. والأخرى (وهي المارونية) كانت نامية كلها وكانت تنمو فيها قوى جديدة أخذت توثق الزراعة بأمتن الروابط إلى التجارة الدولية وتقبل على مهن وأنماط عيش مجددة. فكان ذلك يرسم مزيدا من خطوط التمايز بين فئاتها. وكان يعزز مكانة الأفراد فيها إذ يربطها بعملهم لا بمنابتهم، ويرفع التضامن بينهم من مستوى الأُسر والقرى إلى مستوى الطائفة بقيادتها الكنسية. وأخذ يتولد، في أفق ذلك كله، نموذج جديد لعلاقات السلطة تلوح فيه المثل الانتخابية وحق الاختيار. وقد كان هذا الاحتكاك المتمادي مولدا للشرر بسبب التداخل الحاصل بين الطائفتين وبسبب بقاء مسألة السلطة الإدارية السياسة في الجنوب، على الخصوص، من غير حل يقبله المسيحيون وبقاء مسألة السلطة الاجتماعية الاقتصادية من غير حل يسلّم به الدروز[19].

كانت مسألة مصير الإقطاع في القائمقامية الجنوبية، على الأخص، هي الناظم الداخلي لهذا الاحتكاك المديد. فلطالما كان الإقطاع قد حجب الطائفية بما هي صيغة للتضامن والنزاع في هذا المجتمع. ولطالما لطّف من تجلياتها ومنعها من الاستقلال بذاتها ومن غلبة لم يكن يسعها إلا أن تكون تغلبا عليه ولو في أحد جانبي النزاع على الأقل. وقد كان نذير الحرب الأهلية أن هذا الإقطاع فقد التسليم الجامع الذي كان يكفله له مصدره السلطاني والعرف المستقر وأصبح مطعونا في شرعية سلطانه في جهة طائفية واحدة من الجهتين فيما بقي ملاذا لا تجد الجهة الطائفية الأخرى بديلا منه[20].

{شبهات في الإصلاح العثماني}

وقد سبحت أزمة الإقطاع هذه في محيط عثماني ودولي كان من شأنه أن يعززها وأن يتعهد الطائفية المنبثقة بقوة من أحشائها. فقد كانت “التنظيمات” العثمانية التي افتتحها، في موكب من الضغوط الأوروبية، “خطي شريف كلخانة” سنة 1839، محل اختلاف أهلي في مفاعيل لها اعتبرها الأهلون متعارضة، وقبل أفرقاء منهم بعضا منها رفضها غيرهم تبعا لاختلاف الجماعات. بقيت “التنظيمات” أيضا موضع التباس وتردد في التنفيذ أو اجتزاء منه تبعا لحساب الأضرار والفوائد في جهاز الحكم والإدارة المركزيين[21].

ففي جبل لبنان، ما كان لقوى التجديد المسيحية إلا أن ترحب بنسخ امتيازات الإقطاع ثم بإقرار المساواة بين رعايا السلطان، على اختلاف الأديان، وهو ما أكده “خطي همايون” الصادر سنة 1856. على أن هؤلاء ما كانوا ليسلموا باقتران ذلك بالميل إلى المركزية وإلى امتصاص سلطة الولاة والقائمقامين لما كان الأهلون يعتبرونه استقلالا لديارهم بأمورها إذ كان يليها حتى ذلك الحين أعيان من أهلها[22]. بخلاف ذلك، مالت الأكثرية السنية إلى رفض المساواة الحقوقية بين الرعايا وقرنتها بتنامي الأثر الأوروبي في السلطنة وافتقاد هذه الأخيرة زمام أمرها. وأخذ ينظر إلى المستفيدين من المساواة الجديدة على أنهم طوابير خامسة لمن يحميهم من الدول الأوروبية[23]. أخيرا لم يكن جهاز الدولة العثماني صادق التصميم دائما على إنفاذ إصلاحات وجد فيها كثيرا من الإخلال بقواعد سلطته والانتقاص من امتيازاته[24]. وكان الدروز قد بكروا إلى الشعور بمقت المحيط السني في مدن الساحل للإصلاحات فأخذوا يرتادون المساجد ويظهرون علامات التقوى الإسلامية. ولكنهم نفروا من النزوع المركزي إلى حكم ديارهم مباشرة ونفروا أيضا من الوعّاظ الذين أرسلوا إلى قراهم ليعلموهم طريقة أهل السنة في العبادات والمعاملات[25].

{أوروبا: حماية ذات حدّين}

ومن الجهة الأوروبية، كان النفوذ البريطاني على أشدّه في الديار العثمانية، وفي الشامية منها على الخصوص، بعد أن تصدرت بريطانيا السعي لاستخلاص سوريا من يد محمد علي ولحل المشكلة المصرية. وكانت فرنسا في حرج شديد لوقوفها في صف الاحتلال المصري قبل أن تنتقل إلى ضرب غير مقنع من التوسط في النزاع[26]. وقد حاول البريطانيون أن يستميلوا الموارنة ليخلفوا الفرنسيين بين ظهرانيهم. ولكن الكنيسة كانت ترى في البريطانيين هراطقة وتحارب ما استطاعت إرسالياتهم والإرساليات الأميركية التي كانوا يرعونها أيضا[27]. فكان أن ثابر البريطانيون على مسايرة الدروز الذين بادلوهم المودة. وكانت حظوظ النمسا أوفر، مبدئيا، في المضمار الماروني لكونها إمبراطورية كاثوليكية ولكن نجاحها بقي محدودا، في وجه فرنسا، ولم يكتب له طول البقاء لتمسك الكنيسة المارونية خصوصا بالراعي الفرنسي. وأما الروم الأرثوذكس فلاذوا بحمى قيصر الروسيا[28]…

كان توزع الحمايات هذا (وقد اشتدت وطأته في عهد المتصرفية اللاحق) يوفر لهذه الطوائف نوعا من الشعور النسبي بالأمان من جهة الدولة ويمنح تدخل الدول المعنية في الشؤون العثمانية شرعية مضافة. إلا أنه كان يورث عداء الرعايا المسلمين للممتعين بالحماية. ذاك ما جعل مذابح 1860 تمتد إلى دمشق لتكون مذبحة دمشق في 9 تموز-يوليو (وقد زاد عدد ضحاياها عن خمسة آلاف قتيل في يوم واحد) ذروة العنف الأعمى الذي شهدته تلك السنة المشؤومة[29]. ولا ريب أن الكثرة الكاثرة من قتلى دمشق كانوا من الملة الأرثوذكسية ولم يشفع لهم أن ذوي ملتهم، في جبل لبنان، ضووا في عام 1860، وفي حوادث أخرى سبقته، إلى صف الدروز لا إلى صف الموارنة[30].

{“الحركات” صناعة جبلية}

في كل حال، لا يبدو ممكنا تجاوز ما أشرنا إليه من وجوه للأدوار الأوروبية في “حركات” القرن التاسع عشر اللبناني. لا يمكن، على الأخص، تحميل القناصل الأوروبيين ورؤسائهم أو معاونيهم مسؤولية مباشرة ما عن نوبات العنف الأهلي أي اتهامهم بالضلوع في تدبيرها. فالحق أن الفرنسيين حاولوا تهدئة ثورة 1840 فعجزوا عن ذلك[31]. وحاول الإنكليز حماية بشير الثالث من العداء الدرزي ثم اضطروا إلى التخلي عنه[32]…إلخ. ولا نجد دليلا على ضلوع مباشر للقناصل أو لأعوانهم في نزاع 1845 أو في مذبحة 1860. ولكن القناصل حاولوا المحاماة تكرارا عن اللائذين بهم في وجه السلطة العثمانية، بعد كل جولة من جولات العنف، وتدخلت دولهم أيضا لإلزام السلطنة بتدابير تدرأ العنف الناشب وأخذت هي نفسها، حين وجدت ضرورة لذلك، بقسط من هذه التدابير. ذاك تدخل بلغ حد إرسال الأسطول البريطاني في 1840 والفرنسي في 1841 و1860 ولزم حدود العمل السياسي المنسق في 1845 [33]…

وأما ولاة أمور الجبل من الموظفين العثمانيين، في تلك المرحلة، فكانوا عالمين، على وجه الإجمال، بأن الاقتتال الأهلي يحرج دولتهم أمام الرقباء الأوروبيين ويزيد هؤلاء إيغالا في اللعب بمقدّراتها. ولكنهم كانوا معنيين بالتصدي لكل انحياز يبديه فريق من الفريقين الأهليين إلى طرف دولي يحذرونه أي بقمع ما يعتبرونه خروجا لهذا الفريق عن جادة الولاء للدولة. فكانوا يعمدون إلى التخلية بين الفريق الخارج والفريق الأهلي الخصم، معولين على استعداد قائم للاقتتال ما كان يسعهم ارتجاله. وكانوا يستأنفون، على هذه الشاكلة، أسلوبا أصيلا في سياسة الدولة العثمانية لظواهر العصيان بين جماعاتها. فإن هذه الدولة لم تخترع، في وسط القرن التاسع عشر، هذا العلاج المتمثل بتوجيه فريق موال من رعاياها لقتال فريق مطعون في ولائه. وإنما كانت تلك سنّة عهود الإقطاع من تاريخها. وهي كانت، في عهد الحركات، تغادر متعثرة هذه السنّة ولم تكن تستحدثها[34].

والحق أن ولاة العثمانيين لأمور الجبل في تلك المرحلة لم يكونوا جميعا على سوية واحدة، من حيث الضن بالدم اللبناني والحرص على تدارك العنف أو على قمعه. لم يكن أمثال مصطفى باشا وعمر باشا ووجيهي باشا وخورشيد باشا نظائر لأسعد باشا وخليل باشا وشكيب أفندي وفؤاد باشا من هذه الجهة[35]. وفي كل حال، لم يخرج سلوك الموظفين العثمانيين – على اختلاف نماذجه – عما كان منتظرا في حالتهم. ويمكن توجيه تهم إلى أمثال وجيهي باشا وخورشيد باشا تراوح بين الإغضاء عن فظائع تدبّر والضلوع في تدبيرها. ولكن هذا المسلك لا يجد مكانا – لا هو ولا سلوك القناصل الآنف الذكر – في صلب شبكة العلل التي انبثق منها تيار العنف الأهلي في تلك الآونة.

ما خلاصة هذا كله؟ خلاصته أن التذابح الأهلي كان أهليّا فعلا حفزته تحولات اجتماعية-اقتصادية أنذرت بأخرى في مواطن السلطة الاجتماعية-السياسية. وكانت تسعى إلى فرض هذه التحولات الأخيرة قوى بعينها وتسعى إلى صدها قوى أخرى. وكان تمكن قوى الفرض من شق طائفة دون أخرى وتمكن قوى الصد من تعبئة طائفة دون أخرى ثمرة لتاريخ الجبل لا أكثر ولا أقل: لتاريخ يمكن – بحسب درجة الانفراج المختارة لزاوية النظر – أن نكتفي منه بأعوام الاحتلال المصري ويمكن أن نمدّه ليشتمل على ثلاثة قرون. وسواء أاخترنا هذه الدرجة أم تلك فنحن سنجد آهلي هذا الجبل عرضة لتقلبات محيطهم العثماني المباشر وعرضة أيضا لأطوار الأخذ والرد بين هذا المحيط والعالم الأوسع ممثلا بأشد القوى فعلا فيه.

وسيكون من الهزل بمكان أن نلوم العالم كله على تحولات كبرى حصلت فيه ونراها مهدت سبيل التقاتل بين اللبنانيين، بمجرد أنها طاولت مجتمعهم. فإن الافتراض الذي يضمره هذا اللوم ينتهي إلى القول إنه كان يسع اللبنانيين أن يبقوا بمعزل من تاريخ العالم أو كان على العالم أن يمنح اللبنانيين حقا حصريا في هندسة تاريخه، أوّلا بأوّل، بحيث يستبعدون من هذا التاريخ كل ما قد يحملهم على التقاتل. أو ليس أولى من هذه السفاهة بالاعتبار أن يسأل اللبنانيون إن كانوا قد استنفدوا، كل مرة، جهدهم لاستبعاد القتال الأهلي من بين أساليب تكيفهم بموجبات التاريخ الذي هو صارم، بالضرورة، في حقهم وفي حق غيرهم من البشر. فإن كان هذا الاستنفاد قد حصل، جاز الانتقال إلى السؤال عما يمكن لوم الغير عليه وما تجب نسبته إلى سوء الطالع لا غير.

{تبويب للمواريث}

ما الذي أورثتنا إياه، بعد هذا، “حركات” القرن التاسع عشر من عدّة لاعتبار الاقتتال الطائفي احتمالا ماثلا في أفق الصعب من أزماتنا؟ يتسع السؤال لثلاثة أنواع من الموجودات هي: 1- البنى التي تستحدث وترسخ في مرحلة بعينها ثم ترثها مراحل تالية، 2- التصورات أو –بالأحرى- التمثلات التي يستوي الماضي موئلا أو مرجعا لها ويفترض أن الحاضر أو المستقبل قابل لإعادة تمثيلها، 3- حبكات الأحداث أو تشكّلات الظروف، وهي فريدة، مبدئيا، فلا تورّث. ولكن لا يستبعد أن تستمدّ من تعلـّق الأحداث المتغيرة بالبنى الثابتة قابلية للتكرار.

في باب “البنى”، ورثنا من “حركات” القرن التاسع عشر ما أخذنا نسميه الطائفية، أي استواء الطوائف وحدات للاعتصاب وللتنازع واستقرار هذا المبدإ خلفا لمبدإ التنظيم الإقطاعي. ولكن “الحركات” لم تكن (بعبارة ماركس) غير “القابلة” العنفية للطائفية ولم تنشئ الطوائف ولا قابلية الطوائف لهذا الدور. ولم تكن الطوائف التي تلاقت في سنة 1920، على الحال التي نشأت في 1861، من حيث موازين القوة بينها. ولم تكن على سوية واحدة في “التطيف” أي في التشكل المؤسسي على أنها طوائف، قبل كل شيء، لا مجرد شبكات لعصبيات أخرى. ولكن النموذج القادم من المتصرفية فرض نفسه، ولو معدّلا، على الشركاء الجدد فضووا إليه وعملوا على تجسيده بوتائر وأساليب متباينة. وقد أصبح التقابل الغالب على الإدراك تقابلا بين المسيحيين والمسلمين لا بين الموارنة والدروز. وأصبحت الدولة والمدينة (وهذه هي بيروت، أولا) هما المدارين الرئيسين للتعامل وللصراع، وهما لم تكونا ماثلتين بين بنى القرن التاسع عشر[36].

وقد نكون واقفين، اليوم، في هذا الباب، على أعتاب تحوّل جديد. وهو أن يصبح التمييز بين لبنانيين مسيحيين ولبنانيين مسلمين عديم النفع في السياسة. فيصبح الأولى أن نرسم خطوط الفصل (وهي، في هذه الحال، متعرّجة وقد تكون متحرّكة) ما بين الطوائف المختلفة أي ما بين السنّة والموارنة والشيعة والدروز والروم، إلخ. ليست هذه الحال بجديدة فعلا. فهي كانت تُرى على هذا المنوال، إلى حد بعيد، حين كان ينظر إلى المجتمع السياسي اللبناني من بيروت، لا من باريس، مثلا، أو من القاهرة. على أن خطوط الفصل بين الطوائف، لا بين الديانتين، تبدو ميّالة إلى مزيد من البروز في الأزمة الراهنة وانطلاقا منها. ولعل هذا التشخيص يشبه قول أهل “الجندر” إن توزيع البشر إلى ذكور وإناث قد أصبح، مع تحولات الأدوار، شيئا من الماضي! ذاك أيضا، على ما يظهر، حال تقسيم اللبنانيين، من الآن فصاعدا، بين الإسلام والمسيحية.

وفي باب التصوّرات أو التمثّلات، لا يمكن، بطبيعة الحال، تبرئة حرب سابقة لا من الحقائق ولا من الخرافات التي تستمدّها منها حرب قائمة لتأييد دعاواها وضرورة استمرارها أو تستمدّها الجهود الآيلة إلى إيقاد حرب جديدة توصلا إلى غايتها. فهذه المادّة التصوّرية تستخدم فعلا في تحصين الحدود بين هويّات الجماعات وفي شحنها. ولكن هذه المادة يسعها – بحسب ما يدعو إليه ظرف راهن وما يسعى إليه القيّمون على تصريفها – أن تتخذ وقودا للعنف أو أن تستوي – في ظل ظرف آخر وتوجيه آخر – موضوعا للاستهجان الغالب وحتى للسخرية الجامعة. ثم إن التمثّلات لا تصل إلينا من الماضي من غير تحوير ولا تبديل. فالحرب القديمة في مخيلاتنا ونظام دوافعنا هي رواياتنا نحن لهذه الحرب، وهي روايات عديدة ومتغيرة ومتنافرة. وهي تطرح على الحرب أسئلتنا نحن وتبطّن بها أسئلة الزمن الذي دارت في الحرب. وأما “الغذاء الروحي” الأقوى لحرب واقعة – حين تقع – فليس الصور المتحدرة من الحروب الماضية – على ما لها من دور – وإنما هو العنف الراهن نفسه، بوقائعه وبحكاياته. فهذا العنف هو ما ينحو إلى ما سميناه، ذات مرّة، “غصب الفوارق” أي إلى تحويل كل “فارق” بين جماعتين متنازعتين إلى “تناقض” يقصي أفق المسالمة[37].

وفي باب حبكات الظروف، تتراءى من “حركات” القرن التاسع عشر صورة العجز اللبناني عن سياسة التغيير المتراكم في المجتمع سلما. فاللبنانيون لم يتوصلوا إلى أخذ العلم بانتقال الموازين العميقة في مجتمعهم من حالة إلى حالة ولم يرتبوا على الأمر مقتضاه طوعا. ولم تكن علة هذا العجز قيودا فرضتها أطراف ثالثة على حركتهم. فقد كانت مراجعهم تتخاطب وتتبادل المطالب، في تلك الأيام، من غير عائق قاهر ولم يحصل أن توافقوا على صيغة لتسوية المشكلات القائمة بين أطرافهم المختلفة ومنعهم مانع من إنفاذها.

{ما الذي يتكرّر؟}

وقد تكرر ذلك لاحقا. فقد كان متفقا على اعتبار ميثاق 1943 مرشدا لسياسة الدولة العامة ولكنـه خُرق خرقا جسيما في عشايا [38]1958. وفي وقت ما من الستينات بدا أن القائلين بإصلاح موازين الحكم والنمو الاقتصادي قد صمّوا آذانهم عن قول القائلين بالحرص على حوزة الدولة وسلامة البلاد والعكس بالعكس. فكان أن توجهنا نحو 1975. وغداة الحرب الأخيرة رعى اتفاق الطائف خروج البلاد من العنف. ولكن وقف تنفيذه عند هذا الحد تقريبا بل توالى خرقه أيضا من نواح شتى. طوى الحكم السوري مسألة خروج جيشه من لبنان وفهم عروبة هذا الأخير على أنها مرادف لسياسة أموره من دمشق. واكتفي بإنفاذ البنود الحسابية أو الانتقالية من الإصلاح السياسي من قبيل المناصفة في التمثيل النيابي وإيلاء مجلس الوزراء( ذي الموازين الطائفية أيضا) مقاليد السلطة التنفيذية. وصرف النظر عن مجرد النظر في الجانب الدينامي من الاتفاق وهو مسعى تجاوز الطائفية السياسية. فبدا أن كل ذي نصيب راض عن النصيب الذي تقرر له يطالب – حين يطالب – بتحصيله تاما ولا يطالب بزيادته. ولكن بدا أيضا أن هذا الرضا عن الأنصبة له ترجمة هي استنزاف البلاد وتعذر كل إصلاح فيها وتعذر حكمها أيضا.

لم ينكشف هذا الأمر حين كان السيد المطاع يدير الدفة من البلاد المجاورة. وإنما انكشف حين بدا أطراف المسرح السياسي اللبناني مدعوين إلى التفاهم مباشرة. ولا يردّ هذا الأمر إلى كون السيد المطاع ما يزال يجد من يأتمرون بأمره هنا – ولو صحّ ذلك – ولا يردّ أيضا إلى كون آخرين في لبنان يأتمرون بأوامر جهات أخرى في الخارج – ولو صحّ ذلك. وإنما يردّ إلى كون قادة اللبنانيين، ومن ورائهم اللبنانيون جماعات، مدعوون إلى تجاوز مبرمج لصيغة نظام سياسي أصبحت من زمن طويل معطّلة ومعطّلة واستوت عبئا رازحا على استقلال البلاد وعلى إمكان استقرارها وسدّا في آفاق نموها يحصر خيارها ما بين الانهيار والانفجار.

{تجميد السلام، توليد العنف}

ما نراه أن علل العنف في الحالة اللبنانية يجب البحث عنها، أوّلا، في صيغ السلام التي اعتمدت، على التوالي، فعليا لا نظريا، وليس في سوابق الحرب. ما نراه، أيضا، أن الصيغ المذكورة هي صيغ لتنظيم العلاقات بين جماعات اكتنفتها بنى تاريخية اجتماعية كانت تحوّلاتها (لا بقاؤها على ما هي عليه) وكان عجز الصيغة القائمة عن الاعتبار بالتحولات هي ما يعزز حظوظ الحرب. ما نراه أن الحروب لم تنشئ الجماعات أصلا وأنها لم تنشئ البنى أيضا وإن تكن قد تكرّسها أو تقطع تطورها أو تعدّل وجهته. ما نراه أن هذه الجماعات خاضت الحروب بما هي سبيل متاح إلى تجديد التنظيم الداخلي لكل منها وإلى تعديل صيغة علاقتها بالجماعات الشريكة. ما نراه أن الحرب كانت تفرض نفسها لأن التنظيم والصيغة المذكورين كان يفترض لهما القيـّمون عليهما، في كل مرة، ديمومة لا يقرّها لهما التاريخ ولا هما تستحقانها. ما نراه أن “المواثيق” التي يفترض لها الثبات على الزمن هي أحقّ من الحروب السابقة بأن تعلـّل بها الحروب المقبلة.

ما نراه، إذن، أن التفادي من الحروب يفترض – بين ما يفترض – عقد ميثاق بين اللبنانيين ينص على تغيير المواثيق المعقودة بينهم والصيغة المعتمدة لسياسة أمورهم، كلما دعت الحاجة. وأما الرغبة في إبقاء الصيغ بمنجاة من تغير الأحوال (أي من التاريخ) فتصبح، في نهاية مطاف طويل أو قصير، رغبة في القتل وفي الموت.

على أن عقد ميثاق التغيير هذا يفترض، بدوره، أن تتقدم للتفاوض عليه أطراف تغلّب ما هو متغير، أي ما هو مستجد أو متوقع، في ملامح الصورة التي يحفظها كل منها عن نفسه وعن الأطراف الأخرى وعن البلاد، بعامة، وعن العالم. وهذا ما قد لا تقوى عليه أطراف يغلب في تصورها أن كلا منها ثابت على أصله من ألف سنة أو نحوها… وأن البلاد ثابتة، هي الأخرى، على مهمة واحدة، من مدّة مماثلة إن لم يكن من عهود أبعد بكثير. الثوابت قائمة، طبعا، ولها محل (يجب تعيين حدوده) حتى في الأنظمة السياسية. ولكن هذه الأنظمة عرضة للامتحان الدائم بمتغيرات المجتمع والعصر والسياسة. وتصبح الحرب مرجـّحة حين يعدّ الثبات أفضل من البقاء وينصّب ذاك عدوّا لهذا.

1] استوت كل من “حركات” القرن التاسع عشر وحرب 1975-1990 موضوعا لمكتبة كبيرة. هذا فيما حظيت أحداث 1958 بدراسات محدودة العدد. را. خصوصا، بشأن “الحركات”:

Adel ISMAIL, Histoire du Liban du XVIIe Siècle à nos Jours, tome IV, Redressement et Déclin du Féodalisme libanais (1840-1861), Beyrouth 1958.

ويسع القارئ الرجوع إلى قراءة تحليلية لهذا الكتاب ولغيره من الأعمال التي كرسها معاصرونا لـ”حركات” القرن التاسع عشر في:

Ahmad BEYDOUN, Identité confessionnelle et Temps social chez les Historiens libanais contemporains, Beyrouth 1984, 3ème partie, chap. II.

هذا وقد نشر إسماعيل نفسه خلاصة جيدة بالعربية لكتابه تحت عنوان “عهد الفوضى والاضطرابات، 1840-1860” وذلك في: لبنان في تاريخه وتراثه، بيروت 1993، المجلد الثاني، ص 339-382.

ورا. بشأن حرب 1975-1990:

Ghassan TUÉNI, Une Guerre pour les Autres, Paris 1985.

و

Samir KASSIR, La Guerre du Liban, de la Dissension nationale au Conflit régional, 1975-1982, Paris-Beyrouth 1994.

وبشأن حوادث 1958:

Caroline ATTIÉ, Struggle in the Levant, Lebanon in the 1950’s, Oxford 2004.

2] را. بشأن أحداث 1918-1920:

Meir ZAMIR, The Formation of Modern Lebanon, Cornell 1988, chap. II.

وبشأن اضطرابات 1936:

Meir ZAMIR, Lebanon’s Quest, The Road to Statehood, 1926-1939,

London-New York 1997, pp. 199-213.

3] را. رواية لانتفاضة 1840 وتعليلا لوقائعها في:

ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 39-103.

4] را. بشأن التحولات الاجتماعية الاقتصادية التي أفضت إلى “الحركات”:

Dominique CHEVALLIER, La Société du Mont-Liban à l’Époque de la Révolution industrielle en Europe, Paris 1971.

CHEVALLIER, La Société…, op. cit., pp. 80-81 [5

] JOUPLAIN, La Question du Liban, Paris 1908, p. 529 [6

7] را. قراءة لنصوص بطرس البستاني السياسية في:

ناصيف نصار، نحو مجتمع جديد، مقدمات أساسية في نقد المجتمع الطائفي، بيروت 1970، ص 16-32.

8] را. بشأن “عروبة” إبراهيم باشا:

زين نور الدين زين، نشوء القومية العربية، بيروت 1968، ص 45-46 و ص 187-188.

9] را. بشأن التحولات التي شهدتها الكنيسة المارونية في هذه المرحلة:

CHEVALLIER, La Société…, op. cit., pp. 245-256.

ورا. أيضا:

وضاح شرارة، في أصول لبنان الطائفي، خط اليمين الجماهيري، بيروت 1975، ص 63-69.

ورا. بشأن موقع البطريرك حبيش في أوائل هذه المرحلة:

ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 71, 113-117 et 133.

10] م م .، ص 113-115.

ورا. بشأن أطوار العلاقة بين بشير الثاني وأعيان الدروز:

حسين غضبان أبو شقرا (الراوي) ويوسف خطار أبو شقرا (المؤلف)، الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية، لا ن.، لا ت.، ص 1-24.

11] ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 175-201.

12] م م.، ص 284-289. وقد جعل الإجماع شرطا لاتخاذ القرارات في كل من المجلسين، فإذا لم يتحقق عاد القرار إلى والي صيدا. وكان القائمقامان عرضة لسلطة العزل الموضوعة في يد هذا الأخير أيضا. فإذا اعتبرنا، مع جملة المؤرخين، أن هذا النظام كان أول صيغة مؤسسية للنظام الطائفي عرفها لبنان، وجب أن نلاحظ أن شرط الإجماع والتحكيم “الخارجي” الذي يفرضه تعذر الإجماع قد صحب ولادة هذا النظام. والحقيقة المرّة أنه لم يصحب ولادته وحسب بل صحب معظم تاريخه. ففي عهد المتصرفية، كان يوجد مجلس إداري ولكن لباب السلطة كان في يد المتصرف (غير اللبناني). وقد بقي أعيان الطوائف محتاجين إلى رعاية القناصل الأوروبيين لاكتساب بعض الوزن الإضافي في مواجهة المتصرف المذكور وفي مواجهة بعضهم بعضا. وفي عهد الانتداب الفرنسي، آلت السلطة العليا إلى المفوض السامي الذي كان له الحق في تعليق الدستور وفي تنحية رئيس الجمهورية وإقالة الحكومة وحل مجلس النواب. ولم يشهد لبنان استغناء عن التحكيم الخارجي وعن “الإجماع” شرطا لبقاء سلطة القرار في الداخل إلا في العقود الثلاثة التي تلت استقلال 1943، أي في حوالي 30 سنة من أصل مائة وستين، تقريبا، هي عمر نظام الطائفية السياسية حتى اليوم. ونعتقد، في ما يخصنا، أن هذه السنين الثلاثين كانت استثناء وأن استعادة الشروط التي تحققت فيها (ولم تجنبها الأزمات الكبيرة في كل حال) إنما هي أمر متعذر. لذا يبدو لنا تجاوز شرط الإجماع (المتعذر غالبا والمفضي افتراضه إلى شلل السلطة) والتحكيم الخارجي (معلنا كان هذا الشرط أم ضمنيا) أمرا منوطا بتجاوز الطائفية السياسية نفسها. هذه حال يبدو اتفاق الطائف منطويا على إدراك عميق لها. ولكن ما حل بهذا الاتفاق، حتى الآن، يشير، من الجهة الأخرى، إلى الصعوبة القصوى لتجاوز الطائفية هذا.

13] م م.، ص 301.

14] م م.، ص 216-219.

15] م م.، ص 321-327.

16] CHEVALLIER, La Société…, op. cit., p. 271.

ISMAIL, Histoire…, op.cit., tome IV, pp. 324-325[17

CHEVALLIER, La Société…, op. cit., pp. 277-278 et 289 [18

19] شرارة، في أصول…، م م.، ص 52-60.

20] ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, Conclusion.

21] را. صورة مباشرة لوقع “التنظيمات” على العلاقات الطائفية (في دمشق) في:

إسكندر بن يعقوب أبكاريوس، نوادر الزمان في وقائع جبل لبنان، تحقيق عبد الكريم إبراهيم السمك، لندن 1987، ص 253-254.

ورا. بشأن الموضوع نفسه في جبل لبنان:

أبو شقرا، الحركات…، م م.، ص 32-34.

22] ذاك، مثلا، معنى مقاومة الطائفتين عمر باشا النمساوي وتعبير الموارنة المتكرر عن الرغبة في إعادة بشير الثاني إلى كرسي الإمارة. را. :

إسماعيل، “عهد الفوضى والاضطرابات…” في لبنان في تاريخه وتراثه، م م.، المجلد الثاني، ص 352-354.

ورا. أيضا:

ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 257-261

CHEVALLIER, La Société…, op. cit., pp. 267-269 [23

24] م م.، ص 269.

25] ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 139-140 et 188.

26] رياض غنّام، المقاطعات اللبنانية في ظل الحكم المصري، 1832-1840، بيروت 1988، الفصول 4و5و6.

را. أيضا:

ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 16-17.

[27] CHEVALLIER, La Société…, op. cit., pp. 256-260.

را. أيضا:

ISMAIL, Histoire…, op. cit., tome IV, pp. 156-160.

ISMAIL, ibid., pp. 106 et 146-148 [28

 

29] أبكاريوس، نوادر الزمان…، م م.، الفصل الثامن

30] ISMAIL, Histoire…, op. cit., p. 137.

را. أيضا:

إسماعيل، “عهد الفوضى…”، م م.، ص 356.

31] ISMAIL, Histoire…, op. cit., pp. 78-88.

من الجهة الأخرى يسجل إسماعيل ( م م.، ص 73-74) أن الطرفين العثماني والبريطاني شجعا الثوار بما أغدقا عليهما من وعود وسلاح. ولكن حركة 1840 كانت انتفاضة جامعة ولم تكن نزاعا أهليا.

32] م م.، ص 110-111 و 121.

33] را. مثلا: م م.، ص 73، 89-99، 154-156، 277-280، 333-334، 346-351.

34] إبتداء من سنة 1840، أصبح نزع السلاح “الأهلي” وإحلال السلاح النظامي في محله هدفا مألوفا للسلطة العثمانية عند معالجتها الأزمات اللبنانية. وكان هذا الهدف مواكبا للنزعة إلى إزالة سلطة الإقطاعيين من معاقلها وإحلال سلطة الموظفين النظاميين في محلها. ولكن هذه المهمة الصعبة – بوجهيها – لم تتجسد في وقائع ثابتة إلا في عهد المتصرفية. ومع تجسدها هذا، بقي قائما إلى اليوم نزوع الجماعات الأهلية إلى التسلح.

35] نقع، في المراجع التي ذكرنا، على ملامح لأدوار هؤلاء المسؤولين العثمانيين. وتميل هذه المراجع إلى الإشادة بالمجموعة الثانية ووصم المجموعة الأولى بالانحياز والتآمر أو بالإهمال والفساد.

36] را. أحمد بيضون، الجمهورية المتقطعة، مصائر الصيغة اللبنانية بعد اتفاق الطائف، بيروت 1999، ص 461-463.

37] م م.، ص 295-296.

38] نشير إلى قبول كميل شمعون رسميا، دون سائر الحكام العرب، “مبدأ أيزنهاور” وإلى إسقاط شمعون زعماء المعارضة (وبينهم أهم المسلمين من زعماء البلاد) في انتخابات 1957 النيابية. را.:

ATTIÉ, The Struggle in the Levant, op. cit. pp. 108-121 and pp. 141-148

الكاتب: 
أحمد بيضون
المصدر: 
التاريخ: 
الأحد, ديسمبر 8, 2013
ملخص: 
ما الذي أورثتنا إياه، بعد هذا، “حركات” القرن التاسع عشر من عدّة لاعتبار الاقتتال الطائفي احتمالا ماثلا في أفق الصعب من أزماتنا؟ يتسع السؤال لثلاثة أنواع من الموجودات هي: 1- البنى التي تستحدث وترسخ في مرحلة بعينها ثم ترثها مراحل تالية، 2- التصورات أو –بالأ